الموت والفراق يصعب على الإنسان تحملهما أحيانا، فكيف إذا كان من مات رجل بحجم عبدالله بن عبدالعزيز الملك الإصلاحي والوالد الحنون وصاحب الإنجازات والتجديد، إلا أن موت إنسان عظيم كهذا القائد أبى إلا أن يكون إثباتا جديدا للحجم الكبير الذي يكنه هذا الشعب لقائده ووطنه، فملايين الأصوات التي تعالت بالدعاء له بالرحمة وملايين المقل التي دمعت لفراقه أكدت مجددا على أن عز هذا الوطن بقيادته وحزن أسرته الكريمة بفقدانه هو حزن يضاهيه حزن شعب كامل، بل أمه عربية وإسلامية على امتداد أقطارها.
من الصعب جدا أن يكتب الإنسان مرثية فيمن يحب، خصوصا إن كانت الكلمات لا يمكن أن تفي حق هذا القائد الذي سخر حياته جلها في خدمة وطنه وشعبه، فمنذ أن وعيت على حياتي وعبدالله بن عبدالعزيز هو ذلك الرمز الذي تجسدت فيه كل معاني الشهامة والرجولة والقيادة والإنسانية، وقبل كل ذلك الأبوة التي لا يمكن لقلب محب إلا أن يشعر بها في كل تصريح له وقرار أخذه ومبادرة أطلقها وما أكثرها، إلا أني ورغم صعوبة الشعور بفقده لا يسعني إلا أن أدعو له بالرحمة والمغفرة، وأن يجزيه الله بأكثر مما قام به من خير شعر به كل صغير وكبير على أرض هذا الوطن العظيم.
تشرفت بلقائه -رحمه الله- ثلاثة مرات كان في كل مرة أتقدم لمصافحته تسبقني في الوصول إليه ابتسامة الأبوة ونظرة القائد وترحيب حانٍ، تماما كما اعتاد أن يكون مع كل فرد من أفراد هذا الوطن، فقد كان -رحمه الله- قريبا من الناس وفيا ومحبا وحانيا عليهم، لم يتوقف عن استقبالهم والسؤال عن أحوالهم فكسب محبة لا يضاهيها إلا المخلصون لبلادهم من الزعماء العظام.
سيكتب غيري عن مناقبه الكثيرة وسيسطر التاريخ أعماله بأحرف من نور، وسيتذكره العالم قائدا لا يشابهه قائد، مؤمن بدينه وبضرورة أن تكون بلاده عظيمه رافعة الرأس بين الأمم، فاحترمه العالم وقدره وبكاه الغريب كما القريب، إلا أني هنا آثرت الكتابة له من القلب ببعض شعوري المنكسر، ففقدان والد الأمة لا يمكن لمس قيمته بالعقل أحيانا، بل القلب والروح يكونان أحيانا أبلغ تعبير.
اللهم ارحم عبدك عبدالله بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناتك ووفق خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، حفظهم الله جميعا ذخرا لهذا الوطن، إنه سميع مجيب.