كل الفضائيات التي زادت على العشر، والتي اتصلت بي أثناء تغطيتها لمراسم دفن والدنا الكبير عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - الجمعة الفارطة، كان سؤالها الدائم عن الانتقال السلس للسلطة التي أذهلت العالم، وكانت إجابتي لها: "إنها الثقافة التي كرسها الملك المؤسس في أبنائه وأحفاده".

بالفعل، سالت أحبار كثيرة، وكتبت تقارير عديدة، أغلبها لمحللين وكتاب غربيين، وشاغب بعض المعارضين في الداخل والخارج، ولغط بعض الشانئين لبلادنا بأن انقساما سيحدث، ربما يدمر الوطن ومكتسباته، وكثيرا من تلك الترهات التي كانت تقال وتكتب قبل شهور قليلة فقط. غير أن العائلة الحاكمة والمجتمع السعودي من بعدها أثبتا - بفضل الله وتوفيقه - أنهما على مستوى المسؤولية والحكمة وبعد النظر واجتماع الكلمة.

رحم الله حكيم العرب، وحبيب الشعب مليكنا الكبير عبدالله بن عبدالعزيز، وسيسجل له التاريخ كثيرا من الإنجازات التي قام بها، ووقتما سألتني قناة "دريم" المصرية عن توقعاتي لما سيفعله الملك سلمان، أجبتها أن ملوكنا يبنون على ما فعله الأسلاف، ولا يهدمونه أبدا، بل يؤكدون على الإيجابيات ويسيرون عليها طالما كانت في مصلحة الأمة والوطن، وصحيح أن لكل ملك - عبر كل التأريخ - بصمته ولمسته ورؤيته، إلا أن جميع ملوكنا الذين تعاقبوا كانوا يبنون ولا يهدمون ما شاده قبلهم، ويضيفون على الإنجازات المتحققة.

كنت أقول لتلك الفضائيات إن قرار تعيين الأمير مقرن وليا للعهد، كان رسالة من سلمان بن عبدالعزيز للمجتمع المحلي والدولي بمكانة مليكنا الراحل، وقد أنفذ عهد ووصية أخيه، ومعروف عن مليكنا الجديد ثقافته الواسعة، وإلمامه الكامل والدقيق لكل الحراك المحلي، واحترامه الكبير للوقت، ودفاعه المجيد عن منهج هذه الدولة.

وإذ نبدأ بحقبة سلمان بن عبدالعزيز ليحدونا الأمل الكبير بتعزيز موقعنا الريادي كرأس وقلب الأمتين العربية والإسلامية، وأن كل الدول المختلفة والفصائل المتحاربة ستأتي إلينا لنصلح بينهم، فلسنا خصماء أحد، ولا ننحاز لأي طرف، لأن الحكم والأب يصلح ويوفق والكل يسمع له ويثق به، وفي النهاية تنفذ كلمته على كل أفراد العائلة، ونحن الأب، بل الرأس لهذا الجسد العربي والإسلامي.

الخبر السار الذي عزز الأمل، وبعث الاطمئنان، وأعطى الثقة، هو سرعة تعيين الأمير الشاب محمد بن نايف وليا لولي العهد، وكم حمل "الواتساب" و"تويتر" رسائل التهنئة والبشائر بهذا القرار الذي حسم به شائعات عديدة، وأعطى مليكنا المثقف سلمان بن عبدالعزيز عبر ذلك التعيين الحاسم إشارات واضحة لحكمه القادم، وأن أساس القرارات التي يتخذها في حقبته هو الوطن ومصلحته.

محمد بن نايف صمام أمان الأمن، وتربية أسد السنة نايف بن عبدالعزيز - يرحمه الله -، وقاهر المتطرفين والإرهاب، والأخ الذي فتح أبواب المناصحة لأبنائنا الذين تنكبوا الطريق الحق. هو الرجل الذي تجمع النخب الدينية والمثقفة على حبه، وهو المجل والمكرم للعلماء، والعارف بأقدارهم ومنازلهم، ولا ننسى زياراته لمفتي المملكة والشيخ صالح الفوزان وتبجيله لهم، وجلوسه جلوس الابن بين أيديهم.

المجتمع كله يحدوه الأمل بعد الله أن يحسم ولي ولي العهد ملفات عالقة آن أوانها اليوم كي تغلق، وهي فرصة مواتية أن يحلها - طالما أكرمه الله بهذه المنزلة من قبل خادم الحرمين الشريفين -، ولربما قضية بعض من "أخطأوا" بالرأي ثم عادوا وتابوا وعرفوا أخطاءهم وندموا عليها، تكون فرصة سانحة أمام سموه كي يبعث رسالة حب ووئام، أننا هنا في السعودية تحكمنا روح الأسرة والعائلة، ورب العائلة ربما يعاقب ليؤدب، ولكنه في النهاية أب، يفرح بتوبة أحد أبنائه الذين أخطأوا، وكل عائلة لا بد لها من أبناء يخطئون.

قلت لأحبة لي بأنني متفائل جدا بعهد سلمان بن عبدالعزيز، والأمل كبير في الله أن يأخذ بأيدي قادتنا الجدد لكل ما فيه خير هذا الوطن.. وطن التوحيد والريادة.

رحم الله من رحل، ووفق من أتى، وأبقى هذا الوطن المضيء بنور الرسالة مشعل هدى ومنارة عزّ.