لم تكن لعبدالله بن عبدالعزيز هذه الشعبية الجارفة حتى وهو رئيس للحرس الوطني، ربما لقلة ظهوره إعلاميا، فلم يكن السعوديون يعرفون صوته الذي لم يسمعوه، ربما لزهده في الكلام.

لكن تراتبية الحكم أوصلته إلى ولاية العهد، فبدأ على نحو متدرج يطل على أهله وناسه في مناسبات الأعياد مهنئا ومباركا، ثم ألزمه مرض الملك فهد – لاحقا – بتولي الكثير من ملفات السلطة، وتبعا لذلك فقد صار له حضوره وظهوره الإعلامي المتواتر متحدثا للناس، فكان من المفارقة العجيبة أن عفويته وبساطته قد همشت كل موجبات الفصاحة والطلاقة.

لقد وصل الملك عبدالله مباشرة إلى قلوب المواطنين، وتمكن من الاستيلاء على محبتهم سنة بعد أخرى حتى أجمع أهل البلاد، وكذلك الحال مع بقية الشعوب العربية والإسلامية والصديقة على أبوة وسماحة وإخلاص عبدالله بن عبدالعزيز، الذي صار ملكا للبلاد ولقلوب العباد، لأنه الذي أثبت حقيقة لا جدال فيها، وهي أن الأفعال تسبق الأقوال، وما كان الملك عبدالله خلال عهده العامر إلا فاعلا ومؤثرا ومجددا لهذه الدولة المباركة.

لقد تميز ملوك الدولة السعودية من أبناء الملك عبدالعزيز، بأن لكل ملك منهم ميزة طاغية.

جاء سعود وكانت المملكة في بواكير نشأتها فعمد إلى التحديث والتمدين. ثم جاء فيصل فواجهت الدولة في عهده الكثير من المزايدات القومية والاشتراكية والاستهداف من قبل بعض الأنظمة الثورية، فاختط لنفسه وبلاده سبيل التضامن الإسلامي والاستقواء بالدول الإسلامية الآسيوية والأفريقية في مواجهة المد القومي والاشتراكي. ثم جاء دور الملك الصالح خالد الذي كان عازفا عن الحكم فأوعز لأخيه فهد بصلاحيات ومسؤوليات الملك، وقد نجح فهد في تجنيب بلاده الكثير من الأزمات الإقليمية "الحرب العراقية – الإيرانية ثم غزو العراق للكويت".

ثم جاء من بعده الملك عبدالله الذي رفع سقف الحريات وسعى إلى الإصلاح وأبرز دور المرأة، وسعى إلى تقريب المذاهب والحوار بين الأديان وتعزيز الحوار الوطني، وإصلاح القضاء والتوسع في ابتعاث الدارسين في الخارج.

وها نحن نصل بسلاسة إلى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وهو الرجل الذي يمكنك أن تضبط ساعتك على دقة مواعيده وصرامة جدوله اليومي.

نحن الآن ندخل إلى عهد سلمان بن عبدالعزيز أمين سر العائلة المالكة، وجامع خلاصة الخبرات الملكية منذ عهد والده المؤسس ومرورا بإخوته السلف: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله.

وللحديث عن الملك سلمان بن عبدالعزيز، كلام آخر في مقالي القادم.