كانت لحظة تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- لحظة فارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، لحظة لن ينساها التاريخ، إذ تعد نقلة في كل المقاييس بالنسبة للمسيرة التنموية للدولة، فعشر سنوات قضاها الملك الراحل في الحكم كانت قفزة نوعية، تشهد لها الإنجازات التي لا يمكن أن يستوعبها مقال، فتوسعة الحرمين والعناية بها، والجامعات والطرقات والبنية التحتية والمطارات والقضاء والتعليم والضمان الاجتماعي وغيرها كلها شاهدة على العهد ومشيرة إلى الإنجاز.

وهذه الإنجازات لم تكن على صعيد الوضع الداخلي بل على صعيد الوضع الخارجي كذلك، وما صادف مرحلته -رحمه الله- من تحديات وتغيرات كبرى وخاصة في أربع السنوات الأخيرة التي تلت عاصفة الثورات التي نالت الدول العربية، وكانت تلك التحديات منعطفاً تاريخياً في حياة المنطقة كلها، عانت من ويلاتها الكثير من الدول، وأريقت فيها الكثير من الدماء، وتفرقت كلمة كثير من الشعوب التي لا يزال بعضها يعاني من تلك الأحداث التي دبرت في ليل بهيم، ولا يزال الواقع العراقي والسوري واليمني والليبي واللبناني وغيرها يشهد حالة من الارتباك والمشكلات الكبرى التي تحتاج إلى جهود طويلة ومضنية لانتشال هذه الدول من هذا الواقع الذي فرض عليها.

لم تكن المملكة العربية السعودية في منأى عما دبر لتلك الدول، ولكن حكمة الملك عبدالله وفريقه ووزرائه على قدر المسؤولية والتحدي، واستطاعت أن تعمل على جانبين: الأول، تحصين الوضع الداخلي مما يريده المغرضون، والثاني: المساهمة المباشرة في إحداث تغيير نوعي وإيجابي في الإطار الاستراتيجي والأمني للمملكة العربية السعودية وتدعيم تماسك تلك الدول في وجه الخطة الكبيرة التي تراد بالمنطقة، وخاصة البحرين ومصر والعراق، بل كانت سياسة الملك عبدالله -رحمه الله- منذ اللحظة الأولى من هذه الأحداث قوية وصريحة حتى مع قيادات الدول الكبرى، ومعبراً عن أسفه للتراخي أو القبول لبعض التحركات أو الدعم الذي يبديه قادة تلك الدول الغربية، وهذا كله أسهم في تماسك الدولة في وجه العاتيات، وأسهم كذلك في تقوية دول الخليج والمنطقة لتكون على مستوى التحدي والأحداث.

لقد مات الملك -رحمه الله- بعد أن قام بالدور المطلوب على أتم وجه، فبكته العيون والقلوب والمحاجر، بعد أن ارتبط الشعب به سنوات طويلة، وفتحت الأجيال عيونها على صورته وأعماله، وأَلِفت الناس حديثه، وكان جزءاً معنوياً مهماً في وعي الوطن وصورته.

وإننا الآن نفتتح عهداً جديداً في مسيرة الدولة السعودية، مسيرة يقودها رجل لم يكن شخصية غائبة عن المشهد، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله الذي بايعه الناس ولياً للأمر هو رجل حاضر في كل مراحل الدولة منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز -رحمه الله -، كل أحداثها، وأفراحها وأتراحها ومنعطفاتها كانت بين عينيه، لم يكن بعيداً عن الحدث والتأثير، فهو الأمير الذي تولى المناصب القيادية، وعاش تفاصيل الحركة التنموية، وأسهم في بناء الدولة، وها هو الآن يبايع ملكاً على البلاد ليتوج مسيرته المعطاءة، ولينقل البلاد إلى مرحلة جديدة من واقعها ومسيرتها، وليتم الأمر الذي بدأه والده وإخوته الملوك رحمهم الله، محافظاً على هوية البلد التي نشأت عليها، والتي هي حديثه كل حياته، وموفراً لشعبه سبل العيش الكريم، في ظل عدالة وارفة، وحقوق ممنوحة، وحاجات مقضية، وأمن مستتب، وسياسية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتحديث والهوية والعقيدة، مراعياً ظروف الزمان وتغيراته الكبرى التي تحتاج إلى مواكبة واعية ومتوازنة، وهذا هو الأمر الذي سنراه بأعيننا في ظل ملكنا الجديد بعون الله وتوفيقه، والذي عاش حياته في خدمة الوطن والسهر على رعاية مصالح المواطنين.

إن الصفات التي يتمتع بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كثيرة وعظيمة، فوعيه السياسي، ومعرفته للمشهد الاجتماعي الداخلي، وقراءاته العميقة للتاريخ الذي هو محط الاعتبار والإبصار للأمور، وعنايته بالتراث والثقافة، وخبرته الإدارية الطويلة، والحكمة في تدبير الأمور ستجعل الوطن في مأمن بعد توفيق الله، فهو الرجل المناسب في المكان المناسب والزمان المناسب.

إنني هنا أعبر عن شعور مواطن عاش في ظل هذه الدولة، وتفيأ ظلالها، وأحبها وتعلق بها، ومع الشعور بحجم التحديات إلا أنني على ثقة بقيادتي، وخاصة مع مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز حفظه الله ولياً للعهد، الرجل الذي عرفته حين كان أميراً لبلدي حائل، فكان نعم الرجل تواضعاً ووعياً وعلماً وإدارة وحرصاً على البلاد، وكذلك حين اختار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، فهو رجل الأمن، والعين الساهرة، الذي تشهد لجهوده العباد والبلاد، والذي كاد أن يفقد نفسه فداء للوطن على أيدي أهل الإرهاب والغلو، فيحق لنا حينها أن نقول هنيئاً للوطن بعهده الجديد، ورحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه واسعة، والعزاء لشعبه ولإخوانه ولأبنائه وللأمة العربية والإسلامية.