لا تزال التلة الصخرية التي ينطلق منها دوي مدفع الإفطار والإمساك خلال شهر رمضان المبارك قبل نحو ربع قرن، تقف شامخة في موقعها وسط جبل الطوب في حي الفاضلية الشعبي بمدينة الهفوف، وهو المدفع الرمضاني الأكثر شهرة في مدن وقرى الأحساء، إذ توجد مدافع أخرى في بعض مدن وقرى الأحساء إلا أنها أقل شهرة، ودأبت فرقة عسكرية تابعة للشرطة والحرس الوطني في الأحساء خلال فترة امتدت لأكثر من 35 عاما، على الإشراف عليه قبل أن يتوقف في ضرب المدفع قبل ربع قرن. وقد اشتق اسم الجبل "الطوب" من كلمتي "دوي المدفع" طبقا للهجة المحلية الأحسائية. وأمام صمود تلك التلة انطلقت أمس نداءات بإعادة ذلك "الصوت"، وجاءت تلك النداءات متزامنة مع صدور الموافقة على استعادة مدفع رمضان في المدينة المنورة.
وأشار جابر القطان، أحد كبار السن، إلى أن العمق التاريخي للأحساء، الذي يمتد لأكثر من سبعة آلاف عام قبل الميلاد، وما تحتضنه من إرث حضاري ضارب في عمق التاريخ، يشفعان لها في إحياء المدفع الرمضاني في موقعه الحالي، الذي يحرص الكثير على اصطحاب أبنائهم لرؤية المدفع وسماع صوته واسترجاع ذكريات المدفع الرمضاني، بالإشارة إلى أن فرقة عسكرية تعسكر في الموقع، وتبدأ معسكرها في منتصف شهر شعبان من كل عام، وإنشاء خيمة ويوجد في المعسكر عدد من الأفراد المتناوبين، الذين لا يقل عددهم عن خمسة أفراد، ويستمر هؤلاء العسكر في عملهم حتى فجر يوم العيد بإطلاق مجموعة من القذائف إيذانا بحلول شهر شوال، لافتا إلى أن صوت دوي المدفع يمتد إلى دائرة قطرها أكثر من خمسة كيلومترات.
وقال محمد البراهيم إن موقع المدفع يشهد تقاطر أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين من مدن وقرى الأحساء لمشاهدة إطلاق القذائف وسماع الصوت في مشهد بانورامي، ودعا المسؤولين إلى إحياء هذا التراث خلال هذا الشهر، واعتباره تقليدا وإرثا سنويا يجب الحفاظ عليه من الاندثار، وتسجيله كفعالية احتفالية وترفيهية وسياحية للأحساء، مشيرا إلى أن بعض الدول الخليجية حولت مواقع مدافعها إلى أماكن سياحية وتراثية، تنقل وقائعها على القنوات الفضائية.
واستعاد ناصر العلوي، أحد كبار السن، ذكريات إطلاق 284 قذيفة خلال شهر رمضان كاملا، موزعة على النحو الآتي: ثلاث قذائف عند الإفطار، وثلاث أخرى عند الإمساك، وثلاث أخرى عند السحور في تمام الساعة الـ12 من بعد منتصف الليل، وذلك بواقع تسع قذائف يوميا لـ30 يوما، إضافة إلى سبع قذائف ليلة إعلان دخول شهر رمضان، وسبع قذائف أخرى فجر يوم العيد، وفي بعض السنوات تطلق يوم العيد بقية القذائف المتوافرة.