يمر العالم العربي بمرحلة عصيبة في ظل تطور تقنيات الإعلام وتوسع أدواته، أهم ما يميزها أنها مرحلة التراشق الإعلامي التي تصل إلى حرب إعلامية ممنهجة تصب في مصلحة ما يسمى في مصطلح سياسي إعلامي الثورات العربية الجديدة، وترافق ذلك بمرحلة سبقت الثورات العربية، وكان النشاط العربي الإعلامي من القوة بحيث إنها استطاعت أن تحدث تغييراً جذرياً في عمق التفكير العربي، ومن المؤسف أن بعض المؤسسات الصحفية لم تكن على القدر المهني المطلوب منها ولم تكن سوى أبواق تنفخ فيها التيارات المختلفة، كل حسب توجهه ورؤيته الفكرية، صحيح أن الحياد صعب، بل قد يكون مستحيلاً، ولكن الانحياز والاستقطاب لحزب دون حزب ولنظرية سياسية دون أخرى يقدح في مهنية تلك المؤسسات التي صارت من الكثرة أشبه بورم كبير في الإعلام العربي، واستطاعت التشويش على كثير من العقول، خصوصاً الشباب وبعض المثقفين وحتى العوام بل صارت تمارس التحريض السياسي والاصطفاف خلف تيارات حزبية متشددة أو سياسات لاتهم القارئ العربي.
والمتابع للحراك الصحفي العربي المؤدلج يجد أنه شارك في تهييج بعض الشعوب ضد حكامها وتسليط بعض السياسيين على كل ما هو وطني ومدني.
نحن في حاجة ماسة اليوم إلى غربلة كثير من الجهود الصحفية العربية التي لا تصب في مصلحة المواطن العربي، الذي انخدع في مرحلة قريبة بكثير من الشعارات والدعايات والخطاب الإعلامي المنحاز والمتشدد الذي لا يخدم سمعة الصحافة العربية، ولا يرسم صورتها الجميلة في سماء الصحافة الدولية.
لقد كانت بعض شركات الصحافة الغربية تستغل هذا الخطاب الإعلامي العربي المنقسم وتنفخ فيه نار الفرقة والفتنة وتشجع تلك التوجهات نحو مزيد من الانقسام واستغلال ضعاف النفوس ودعمها مادياً وسياسياً واستخدامها في خدمة توجهات غربية معروفة، وشاركها في ذلك بعض المحسوبين على المجتمع العربي من تجار الإعلام من خلال المتاجرة بالصحافة في سوق مشبوهة.
لم تكن الصحف والمنابر الإعلامية قبل الثورة - في زمن مضى - مسرحاً لتوجهات غريبة عن البيئة العربية، بل كانت من طينة المجتمع المدني تتكلم بلغته وتخدم حاجاته وتوسع مداركه وتدعم تماسكه في مؤتمرات ثقافية كبيرة، وكانت تعدُّ مصدراً موثوقاً لأخبار عربية وسوقاً للمعرفة المشوبة بالمتعة بعيداً عن أجندة سياسية أو حزبية شرقية أو غربية في تنافس وتطور مستمر.
وفي ظل الوفاق الدولي والضخ الإعلامي الكبير في العالم وتنوع الوسائل الصحفية وبروز التواصل الاجتماعي المرئي والمسموع، نحن في حاجة إلى بناء صحافة عربية ممنهجة حرة ونزيهة تنافس التطور في تقنيات الإعلام بعيداً عن التجاذبات السياسية والاستقطابات الحزبية، والانحياز للمعلومة وقيمة الخبر والسبق الصحفي أولاً دون اعتبار لسياسة جغرافيا معينة أو تحيز مقيتٍ لها وفتح الآفاق لشبابنا الناهض في الصحافة نحو الإبداع والتنافس البريء ومزاحمة الصحافة العالمية بكل نزاهة ومهنية في صور مشرقة بريئة.