شهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء الماضي 20 يناير الاحتفال بعيد الشرطة قبل موعده بخمسة أيام، ضمن سلسلة "إجراءات احترازية" بعد تلويح كيانات موالية لجماعة الإخوان بسعيها إلى حشد أكبر عدد من شتى المشارب، خاصة المنتمين إلى الحركات اليسارية والشبابية تحت لافتة عنوانها "الاصطفاف الشعبي" تأهبا للذكرى الرابعة لثورة يناير 2011، وصدر بيان مشترك لهذه الحركات، يعتبر أن الوقت مناسب للتكاتف، تمهيداً لانطلاقة "موجة ثورية" جديدة، ودعا البيان إلى مشاركة كافة الأطياف المناوئة للمسار السياسي لتوحيد الصفوف بجلسات للنقاش وورش عمل بالمحافظات المصرية لتوسعة مساحات التوافق والتنسيق.

ورغم التوقعات بانطلاق مسيرات بشوارع مصر لإحياء ذكرى 25 يناير، لكن مؤيدي السيسي أعلنوا تنظيم فعاليات مضادة بشتى أنحاء مصر، وتعهد وزير الداخلية بحمايتهم، مؤكدًا جاهزية القوات لجميع الاحتمالات، واستعرض بمجلس الوزراء الخطة الأمنية والاستعدادات لتأمين المنشآت الحيوية، وأكد ثقته بالوعي الشعبي لحقيقة المؤامرة، واستعداده للتعاون مع الشرطة والتنسيق مع الجيش لإجهاض محاولات إثارة الشغب ودعوات التخريب، قائلا: "اليوم هيعدي زي غيره".

ومنذ تبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك من تهمة قتل متظاهري ثورة يناير، تواترت الدعوات والمبادرات للتوحد خلف أهدافها، لكن الخلافات حول عودة الرئيس المعزول مرسي للحكم، وملامح المسار الديموقراطي، ومطالب الحركات الشبابية للإخوان بالاعتذار عن أخطائهم، حال دون التوصل لتوافق.

وبينما أطلق الناشط عبدالرحمن ابن الشيخ يوسف القرضاوي مبادرة لإحياء دعوة "بيان القاهرة" التي أطلقتها عدة شخصيات معارضة خلال مايو الماضي، وتباينت ردود الأفعال بشأنه بين مرحبين ورافضين للتحالف مع جماعة الإخوان، فقد احتضنت برلين اجتماعا لمؤيدي الإخوان الهاربين خارج مصر، وطرحوا مبادرة لحشد "كافة القوى الثورية" الموجودة بمصر وخارجها تحت شعار "إحنا الحل" لما أسموه إسقاط النظام الحالي، لكن القرضاوي الابن علق على ذلك بقوله: "نحيي سائر الجهود التي يقوم بها معارضو الانقلاب بالخارج، لكننا نرى أن دعوة الاصطفاف التي ستجمع الناس ستنطلق من الداخل"، حسب تعبيره.

وفضلا عن مبادرات الإخوان أطلقت "حركة 6 أبريل" المعارضة مبادرة دعت القوى التي شاركت في ثورة 25 يناير 2011 بالتسامي فوق مصالحها الضيقة، إلى تشرذم القوى المناوئة وتتناقض المبادرات حين وضعت شروطا لموافقتها، معتبرة أن مبادرة «إعلان القاهرة» "كلام مرسل" يكتنف الغموض بنودها، كما أثار قرار الإخوان بتشكيل "حكومة منفى" بالخارج بالتزامن مع مبادرة للتفاوض وفتح "قنوات سرّية" للتصالح مع الدولة والعودة للساحة، الأمر الذي قوبل باستهجان الأطراف كافة: أنصار الجماعة، والحركات اليسارية، ومؤيدي السيسي.

ويكشف التناقض الإخواني والحركات الراديكالية تخبطهم، واستقرار النظام السياسي تدريجيا بخطى محسوبة بعناية، كما يؤكد تجاهل المناوئين لعدة حقائق، كاتساع دائرة مؤيدي مسار "خريطة الطريق"، ووصول صراعها مع الإخوان إلى أقصى درجات الاستقطاب وهي "المعادلة الصفرية"، حيث يتلاشى وجود قاسم مشترك بين الفرقاء.

وميدانيا، كثف الإخوان والنشطاء دعوات الحشد بالذكري الرابعة لثورة 25 يناير، وطالبوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتظاهر وشن أنصارها عمليات عنف لتفجير أبراج الكهرباء وتعطيل وسائل النقل العام ومحاولات لاغتيال رجال الشرطة لإرباك النظام وإظهاره بصورة العاجز عن حفظ الأمن، وسربت معلومات أمنية تشير إلى رهان الإخوان على مساندة الغرب، بإعلانهم "حكومة منفى" و"برلمانا موازيا" سعيا إلى الإيحاء باستمرار أمد الأزمة والحصول على دعم سياسي دولي بمواجهة السلطة الحالية.

وهكذا يتضح أن الإخوان وحركات الإسلام السياسي بتنوع مشاربها حسمت خيارها بالمضي قدما لتصعيد العنف والاغتيالات والتفجيرات فيما يعرف بمخطط "الأرض المحروقة"، لهذا خسروا تعاطف الشارع المصري، فضلا عن ملاحقتهم أمنيا واتخاذ تدابير استباقية بالمواجهة استنادا إلى تمتعها بظهير قانوني وسياسي وشعبي بمعركتها.

وواكبت إطاحة الرئيس الإخواني ولادة مشروع سياسي سوّقته مصر إقليميا، وتبنته غالبية وسائل الإعلام المصرية والعربية، بحتمية استبعاد جماعة الإخوان ومؤيديها من المعادلة، فمحاصرة قوى الإسلام السياسي يمهد الطريق لترسيخ الاستقرار واستكمال بناء جمهورية جديدة، قوامها المواطنة والدولة الوطنية.