نقلت لنا الشاشات العالمية أول من أمس نبأ احتجاز قوات حزب - أنصار الله - بقيادة حليف إيران في اليمن بدر الدين الحوثي لمدير مكتب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ليبدأ فصل جديد في مسرحية هزلية لا تليق بأهل بلاد قال عنهم التاريخ إن الحكمة يمانية.

ما يجري في اليمن حاليا من أحداث قتل وخطف وسلب ونهب وتدمير للمنشآت والممتلكات العامة والخاصة لا يمت إلى الحكمة بصلة من قريب أو بعيد. مسرحية احتلال الحوثي للعاصمة صنعاء لا يقبلها العقل فضلا عن المنطق والحسابات الميدانية والتحليل العسكري حسب ما يقول الخبراء العسكريون والمحللون. كيف استطاعت تلك القوة الحوثية أن تستولي على العاصمة صنعاء في سبع ساعات بينما لم تستطع التوغل في - دماج- وهي قرية صغيرة لمدة سبعة أشهر في حصار متواصل وقتال شرس حتى لو لعدة كيلو مترات سوى مرتين وبخسائر فادحة!

منذ تسليم السلطة للرئيس الجديد واليمن يعيش مزيدا من حالة الفوضى والفقر والترهل الإداري الذي كان يعانيه أصلا، لذلك كان تدهور الأوضاع دراماتيكيا بصورة مذهلة. الباحث الحقيقي والمهتم بدراسة المشهد لا يعول كثيرا على ما يصرح به السياسيون، وإنما يبني تحليلاته على توجهات أولئك الفاعلين في المشهد السياسي وأفعالهم وفي أي اتجاه يسيرون فعليا. الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كان ولا يزال رقما صعبا في المعادلة السياسية في اليمن وأحد أكثر اللاعبين الرئيسيين أهمية إن لم يكن الأوحد، وحاليا هو المؤهل وربما الرجل الوحيد الذي يستطيع تشكيل المشهد السياسي حسب رغبته نتيجة لقربه من جميع الأطراف وسيطرته على حبال اللعبة جيدا بعد الانفجار الذي كاد يودي بحياته والذي تعلم منه درسا قاسيا.

برأيي عاد صالح لينتقم، عاد ليصفي حساباته مع الجميع، وأولهم أقرب المقربين إليه ممن يعدّهم ضمنا شركاء في دعم الثورة الشعبية العشوائية التي أطاحت به وكانت آخر عواصف الربيع العربي. أمن اليمن مهم جدا لدول الخليج العربي وخاصة السعودية بحكم الجوار والتاريخ والجغرافيا المشتركة والتداخل بين العوائل والقبائل في اليمن وشبه الجزيرة العربية، ولهذا عقد اجتماع طارئ أمس الأربعاء في الرياض لكبار المسؤولين الخليجيين للتباحث بشأن الأزمة اليمنية وضرورة إيجاد حل عاجل يضمن استقرار الدولة اليمنية ويمنع الحرب الأهلية التي بدأت نذرها تطل في اليمن.

لا أحد ينكر الدور الخبيث الذي تقوم به أجهزة العدو الإيراني ومخابراته وخطط الجنرال سليماني الذي يقود مباشرة توجيه الدمى العربية كالحوثي وغيره، ولا بد أن نتوقع ذلك من دولة عنصرية ونظام طائفي يعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية، عن طريق استخدام المذهبية في نشر عملاء له كحزب الله وحزب الحوثي وفيلق بدر إلخ من المسميات لتلك المنظمات التخريبية، والمصنفة إرهابية في مؤسسات الأمم المتحدة ودول العالم المتحضر. العدو الإيراني يمد الحوثيين بالمال ويحاول قدر استطاعته تزويدهم بالسلاح، لكن هذا ليس إلا جزءا من المشهد، فلو تأملنا جيدا وعدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن صالح حليف الحوثي اليوم هو عدو الأمس الذي استخدم صالح كل أجهزة الدولة لحربهم بما فيها الجيش ست مرات وخاض حروبا معهم، فهو تحالف مؤقت لأهداف محددة ومؤقتة ثم يعود الصراع مجددا بين صالح والحوثيين لأسباب يطول شرحها، ليس أقلها أن صالح لا يعدّ الحوثيين أكثر من أتباع له بدرجة ثانية بعد القيادة الدينية والسياسية في طهران وهي مرجع بدرالدين الحوثي كما غيره من العملاء العرب كحسن نصر الله والزعيم العراقي مقتدى الصدر.

عاد صالح ليحكم اليمن مجددا لكن بمخالب حوثية هذه المرة، واستطاع بذكاء أن يقلب الطاولة على الجميع، فلم يعد لديه ما يخسره بعد ما حدث في جامع النهدين في صنعاء. استطاع تحييد جميع خصومه وعلى رأسهم اللواء محسن الأحمر. اليمن يسير نحو حرب أهلية إن لم يبادر العقلاء أهل الحكمة اليمانية إلى مصالحة حقيقية عاجلة مدعومة بقوة من القوى الرئيسية وخاصة السعودية وأميركا. الرياض لا تستطيع الاستغناء عن صنعاء، واليمن بحاجة إلى السعودية، ولا تستطيع الوصول إلى السلام دون دعمها، وبقلوبنا المحبة لليمن وأهله نرجو أن يستعيد أمنه ونأمل أن يعم السلام أرجاء اليمن قريبا.