أسئلة كثيرة تمر على خاطر الفرد منا حينما نشاهد مقاطع لأناس يتصرفون وكأنهم في غيبوبة تامة عن الواقع، ويمر عليهم كثير من المغالطات من دون أن يقف أحدهم ويتحدى الخطيب! وكأن ما يقوله مُنَزل! كيف لمريض بالسرطان أن يشفى من وضع يد أحدهم على رأسه أو مكان ما يوهم أنه المصدر؟ كيف لقدم أحدهم أن تشد لتطول في ثوان ويصدق من أُوهِم بأنه كان هنالك فرق في الطول بين ساقه اليمنى واليسرى؟ كيف يقنعونهم بأنهم سوف يغتنون بمجرد تبرعهم لهذا أو ذاك الخطيب؟ كيف يصدقون من يرونه أمام أعينهم يغتني بأموال تبرعاتهم وهم في أمس الحاجة إليها، ولا يتوقفون لحظة للمساءلة بل يستمرون في التبرع؟ كنت أتساءل.. نعم، ولكن كنت أقول في نفسي هم راضون، وعلى ما يبدو أنهم سعداء بما يقدمه لهم باعة الوهم!
وعندما رأيت المقطع الذي عُنون بـ"الطفلة الداعية غيداء"، عادت إليّ كل المشاهد التي كنت أراها من قبل، طريقة المعاملة مع الطفلة، وعلى ما يبدو التجهيز المسبق للمشهد الذي أسهم في صعود الطفلة إلى المسرح للتحدث والمشاركة، ثم المعلومات التي قدمتها الطفلة وهي تبكي، امرأة وضعت في الثلاجة بعد موتها وبعد إخراجها للدفن لم يكن على وجهها نور! أي نور من جثة أخرجت من الثلاجة؟! طبعا لم يعترض أحد، وأكملت بأنهم لم يستطيعوا دفنها، للأسباب التي ذكرتَها ولن أخوض فيها، كيف لم يستطيعوا دفنها؟ أعطونا سببا علميا واحدا، لا بل أعطونا سببا منطقيا واحدا! لم يعترض أحد! ليس فقط على استخدام طفلة لتتحدث عن مشاهد الموت والعقاب، ولكن أيضا عدم الاهتمام للرعب الذي كانت تمر به، بل أيضا على استخدام كل هذا من المقدم حين أخذ منها الميكرفون وبدأ بالصراخ ومعايرة الحضور من الرجال بأن طفلة تبكي فكيف أنتم لا تبكون! ما يهمني من المشهد هنا كان حين تابعت الحركات ووجدت نفسي كأنني كنت أتابع تماما حركات من كنت أراهم في تلك البرامج، تقلبات الصوت، إتقان واستخدام فعال للغة الجسد، مهارة في انتقاء المفردات التي تثير المشاعر وتخدر العقل...إلخ، واستحواذ تام على الحضور، ليس فقط من كان حاضرا بل أيضا من يتابع المقطع وهو يحمل نفس النمط من التفكير، أي أنه مجهز مسبقا لتصديق وتقبل ما سيعرض عليه!
والذي يحزن حقا حين تقرأ عن قصص من صدق كالفتاة التي كانت تأخذ المال من جدتها لتتبرع لأحد الخطباء الذي وعدها بالشفاء من مرض عضال، وأوهمها بأنه سوف يدعو لها إن هي تبرعت، وبعد مرور سنة وخسارة أكثر من ألف دولار كانت عائلتها في أمس الحاجة إليها لم تشف، وسألته عن السبب، كان جوابه لأنك تحملين ذنوبا في قلبك لم تتطهري منها بعد، فما كان منها إلا أن خرجت إلى حديقة منزلها وغمرت جسدها بمادة الديزل وأقدمت على حرق نفسها! وماذا عن كثيرين غيرها من الذين تم إيهامهم بأنه تم شفاؤهم وتخلوا عن الأدوية ليكتشفوا فيما بعد أن حالاتهم تراجعت بل انتكست صحتهم! هل قرأنا عن حالات مشابهة عندنا؟ فقط سؤال وعندكم الإجابة!
أنا لا أهاجم الدعاة هنا لأن بينهم كثيرا ممن يخاف الله فينا وفي نفسه، ويعمل ليل نهار على الارتقاء بمعلوماته ومهاراته ويحاسب على رعيته في كل كلمة أو فعل يقوم به، أنا أتحدث عن تجار الوهم الذين يخدعون الناس بأنهم يعالجونهم، ويدعون أن ما يقومون به من غير مقابل، ولكن الزيت وتطورات الماء المقروء عليه أو الخلطات التي يعلم الله على أي علم اتبعوه ليخرجوا بها تكلف، وعلى المريض أن يدفع! وتجميع التبرعات بعد إثارة المشاعر لهذه الدولة أو تلك بعد أن كانوا هم أنفسهم من استخدم نفس الأساليب في إثارة وتجييش المشاعر إما لتتبرع لتجهيز المقاتلين أو للذهاب والقتال في نفس الدول التي يتباكون على أطفالها ونسائها وشيوخها اليوم في المخيمات! هل وصلت التبرعات أم اغتنوا وكنزوا الملايين؟! هل أرسلوا أبناءهم إلى ساحات القتال أم أرسلوا أبناء غيرهم؟! وغيرها كثير من الادعاءات التي يدفع فيها المخدوع دم قلبه وهو راضٍ دون أدنى شك أو مراجعة! كيف تم لهم ذلك؟ إنها أساليب التحكم في التفكير الجمعي، والسؤال هنا كيف تدربوا عليها ومن علمهم؟! يخدرون الحضور بأساليب معروفة عند من تحدثت عنهم في الغرب، هناك لكي يجمعوا المال، ولكن هنا من أجل المال والسلطة والنفوذ وتقليب المجتمع على نفسه من أجل التحكم وتمرير ما يريدونه من أجندات لم تعد خفية!
كل ما أريده من القارئ أن يتابع البرامج الدعوية في الغرب على يوتوب وينتقل بعدها إلى البرامج التي تفضح الطرق والأساليب التي يستخدمونها، ومن ثم ليقارن بينها وبين ما يجري على بعض الفعاليات التي تدعي أنها أنشطة دعوية، ولا ينسى أن يمر على عناوين الصحف التي تتحدث عن القبض ومحاكمة أكثرهم شهرة، وكيف أن بعضهم بعد أن تمت محاكمته على سرقته لأموال البسطاء وقضى وقتا في السجن، عاد ليتابع مسيرة الخداع، على سبيل المثال لا الحصر "جيمي بيكر"، الرجل الآن يستغل خوف الضعفاء والدراويش بأن لديه حلا إن قامت الحرب العالمية الثالثة بعرض صندوق فيه بعض الأساسيات يعيشون عليها خلال الأزمة، وهنالك من يصدق ويشتري! لماذا يصدق العامة والبسطاء؟ إنها تجارة الوهم يا سادة! وتجارة الوهم رائجة في كل الأزمنة وفي كل المجتمعات!
يا سادة كلامي ليس مُنزلا وأيضا ليس كلام غيري في عالم الكتابة والمعلومات، أنت أيها القارئ من يجب أن يقرر، ولكن عليك أولا بالبحث والقراءة والتتبع والتحليل، إنه عقلك، أهم ما تملك فلا تتركه لي أو لغيري كي يشكل لك ما تفكر أو كيف تتصرف وتحكم!