تعاملت مجتمعاتنا في هذا المكان القديم من خريطة الأرض مع قيمة الإنسان على أنه مجرد (دية) تؤدى إلى ورثته عند القتل الخاطئ أو العمد. وبغير هذه الدية لا قيمة له إلا وهو ميت. ولا قيمة له أيضا إن مات على فراشه مسالما كما يموت البعير. باختصار: لا قيمة له إلا حين يموت بالسكين أو الرصاصة. وحتى في مفهوم (الدية) تعاملت مجتمعاتنا مع تثمين قيمة الإنسان بمقياس بهائمي. ربطت قيمته بسعر الناقة في السوق. كان ثمن ديته بعد السكين أو الرصاصة يعادل قيمة مئة ناقة. لكن المعادلة (التعاكسية) أن قيمة الإنسان تتناقص بينما يرتفع سعر الناقة. أصبح اليوم لا يساوي قيمة ثلاثين ناقة من ذلك الفصيل الذي ينتهي لحما وكبسة تحت سكين الجزار. وفي أحيان أخرى أصبحت الناقة الواحدة أغلى من مجموع دية الطابور الذي يجري خلفها في استعراض الإبل.
باختصار: قيمة الإنسان في عالمنا هي الموت، بينما لدى غيرنا هي قيمة الحياة. يولد الطفل في (آيسلندا) فلا يخرج من مشفى الولادة إلا وقد استكمل طاقم التمريض خريطته الجينية ورسمة هندسته الوراثية كي يقرؤون خريطة الأمراض المحتملة القادمة إلى حياته. وفي عوالمنا تقول الأرقام إن معدل القتل اليومي يبلغ متوسطا حسابيا في حدود 400 إنسان تحت قصف البراميل وعنف المسلحين باسم هذا الدين العظيم، ونصف أهالي هؤلاء الضحايا لا يعرفون له حتى مكان القبر. يرفع الحوثي بدسماله البالي شعار الموت لأميركا والموت لإسرائيل وهو لا يعرف أن لأميركا عدادا وطنيا يسجل معلومات آخر طفل أميركي ولد في الدقيقة السابقة، وأن ليهود العالم مركز إحصاء عالميا يرصد تدوينا إحصائيا لجوانب حياة كل يهودي. وهذان (العداد والمركز) لم يبنيا إلا لرصد قيمة حياة الإنسان والتخطيط الدقيق لمستقبل صحته ومدرسته ووظيفته. تسجل وفاة المواطن النرويجي أعلى قيمة وداع للحياة بين محبي الكون بما يقارب أربعة آلاف دولار لمراسم الدفن، بينما يموت الفرد لدينا في حربنا العبثية بقيمة رصاصة. حتى في ثنايا هذا القتل الهمجي في مدن بني يعرب لم يعد (الموت) حتى دية ناقة.