عبدالحميد جابر الحمادي
لله تعالى حكمة بالغة، حينما أمرنا في أول آية أُنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بكلمة بليغة وجيزة ذات أبعاد وآفاق متعددة (اقرأ)، وكأنها أول طريق نحو الفهم للحياة وفلسفتها وغايتها، ولو كانت هناك آية هي أولى وأهم من كلمة اقرأ لكانت موضعها، لأن الذي خلق الإنسان أوجد له وسائل التمكين والقوة والنجاح والتميز، ومعرفة أهمية الشيء أول خطوة للعناية والاهتمام به، لذا قالوا "ما قبل الشيء أهم من الشيء نفسه"، وهذا يقاس على إرادة الأعمال والأهداف، كمثل الاختبار للطالب، فإن ما قبله وهو الاستعداد والتجهيز أهم من الاختبار وهو الشيء ذاته، وكذلك نية الدخول في المناسك فإن ما قبلها من استعداد أهم من النسك ذاته، حيث لا قبول للعمل دون نية خيرة وخالصة.
استهلالة كان لا بد منها، للتذكير بضرورة معرفة الغاية من بذل الجهد وثمرته، لهذا كانت مناهج التعليم الحديثة بوزارة التربية والتعليم - تضع وتحدد وتكتب - عددا من الأهداف المعرفية والسلوكية والوجدانية المتوقع تحقيقها عند قراءة هذا المنهج في مقدمة كل كتاب، وتحدد أيضاً ما هي الأهداف المتوقع أن يجنيها الطالب من خلال دراسته للوحدة والمواضيع المجزئة، فعلى سبيل المثال، مادة التوحيد - موضوع القضاء والقدر - الفصل الدراسي الأول - الصف الثالث متوسط - حيث تصاغ على النحو التالي، تبين حكم الإيمان بالقدر، وحكم من أنكر القضاء والقدر، تشرح مراتب القدر، يستشعر أثر الإيمان بالقدر على الفرد والمجتمع.. وإلخ. وهي بهذه الطريقة تسعى جاهدة إلى إيضاح الهدف والغاية للطالب والمعلم من دراسة الموضوع والنتائج والمحصلة المعرفية والعلمية والتطبيقية من دراسته على حياة الطالب.
القراءة العامة أو القراءة الثقافية أو القراءة الحرة أو القراءة المسلية، باختلاف تعبيراتها وكلماتها ومصطلحاتها، تختلف عن القراءة المجدولة والجادة والتحليلية والمركزة والهادفة، وإن كان الاثنان يرميان لتحقيق الهدف ذاته، وهو زيادة المخزون الثقافي والعلمي، إلا أن أصحاب القراءة المجدولة لديهم أهداف أكثر وضوحاً ودقة وغاية وتحديدا، وهو أنهم حريصون لتحقيق مكاسب القراءة وفوائدها العشر بكل تفاصيلها ومخرجاتها، لأنه يعد العلامة الفارقة نحو تميزهم ولمعانهم وتجويد وتوثيق أطروحاتهم، وبخاصة فئتي الكتّاب والنقاد، وهو ما يميز قوة الدافعية الذاتية لديهم، ويجعلهم أكثر التزاماً وصرامة تجاه أنفسهم وأوقاتهم وظروفهم للالتزام بالقراءة المجدولة، وقد استخلصت عدد الفوائد الناتجة عن القراءة من مجموعة من القراءات في عدد من الكتب التي سأذيلها فيما يلي، وهي:
- إكساب القارئ والكاتب أساليب متجددة ومتنوعة في الطرح سواء المكتوب أو الشفهي "الحوارات والندوات والمحاضرات"، تطوير آلة النقد وتمكين الكاتب من الدقة النقدية والموضوعية، إثراء المخزون المعرفي والثقافي للقارئ والكاتب، نمو المحصلة اللغوية مما يتيح فرص خيارات استخدام المفردات وهو إبداع بحد ذاته يعرفه كثيرا كتّاب المقالة، تسارع إيقاع الكتابة وانسياب سلاسة القلم وإذعانه لرغبات الكاتب، قدرة تفريخ المواضيع المتجددة وإنتاجها وتفريعها، الحصول على المزيد من الثقة لدى القرّاء والمتابعين، تعمق ثقة الكاتب بنفسه، إذ إن هناك علاقة بين الاثنين، القراءة والثقة بالذات، تسريع وتوسيع دائرة الفهم والاستيعاب وزيادة القدرات العقلية، القدرة على الخيال وصياغة الأفكار وامتلاك حساسية الملاحظة السريعة والدقيقة.
هنا وفي صحيفة الوطن، ترى كثيراً من هذا التميز الذي يظهر عبر كتابات وأطروحات كتّاب المقالة اليومية والشبه اليومية والأسبوعية، الذي يؤول إلى الإبداع والتجديد والحيوية في الأسلوب والنقد والتحليل والفكر والفحص الواعي، ولظني أن هناك قرّاء راقين يتطلعون ويحبون الاستزادة والتوسع في هذا الموضوع، لذا أشير إلى بعض المراجع التي غذيت مقالي بإنتاج مؤلفيها الأعزاء وعلى فترات زمنية مختلفة ومتقطعة، وهي، (كيف تصبح كاتباً صحفياً؟ للدكتور مازن مطبقاني)، و(كيف تقرأ كتاباً؟ للدكتور زيد الرماني)، و(كيف تؤلف كتاباً؟ للدكتور راشد العبدالكريم)، وكتاب(قراءة القراءة: للمؤلف فهد الحمود).