للتنمية وكثافتها وجه سلبي غارق في الوحشية على الإنسان والمكان حين تأتي إليه، وإلى مكانه وهو، أو هما، الإنسان والمكان يفتقدان أبسط قواعد المنافسة مع هذا الوافد الضخم المسمى "تنمية". هنا المدخل: أقضي إجازة نصف العام "متصعلكاً" فوق ما أسميته "قوز الجن" وهي جبال من رمال صفراء على مشارف مدينة جازان الاقتصادية غرب قرية اسمها "بيش"، حاضرة لم تكن أبداً "نكرة" ولكنها تتحول بسرعة الضوء إلى "معرفة" ستأخذها بعد ثلاثة أعوام من اليوم إلى واجهة اقتصادية وطنية حقيقية. مساء البارحة، فقط تحدثت مع ثلاثة شبان من أبناء هذه القرية التي تشهد تحولاً اقتصادياً على أطراف المكان. هم يتحدثون عن قواعد المنافسة. عن الشقة التي ارتفع إيجارها إلى أربعة أضعاف القيمة في ظرف عامين بفعل الضغط الهائل لإسكان آلاف من موظفي وعمال عشرات الشركات العملاقة التي تعمل في المدينة الاقتصادية. عن ثقافة الاستهلاك لآلاف العاملين الذين رفعوا كل شيء من السلع في حياتهم اليومية. عن الطرق والشوارع التي استهلكتها آلاف المعدات الثقيلة التي تعبر يومياً على "أديم" هذه المدينة، عن عشرات القصص التي تحدث مع كثافة التنمية التي لا يكون فيها الإنسان والمكان شريكين منافسين، وفقط، يدفعان الضريبة.

ما هي الحلول: مررت بالأمس على الشارع العام لبيش حيث المدارس المهترئة مقفلة في دورة صيانة. وعلى مسؤوليتي انقضى نصف عامهم الدراسي بلا مدرسة. سرقت كثافة التنمية الهائلة حتى الشاطئ البحري الذي اختصرته شبوك هذه الشركات الكبرى إلى مجرد أمتار قليلة. مرة أخيرة ما هي الحلول: هنا أتحدث عن المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات العملاقة التي ترقص على أديم هذه المدينة دون أن تقدم لأهاليها مدرسة أو شارعاً أو رصيفا. حديث هؤلاء الشباب الثلاثة يختصر كل تفاصيل القصة ولكم باقي الخيال حين انتهت المساحة. وهم يدفعون الضريبة حين افتقدوا قواعد المنافسة مع تقنية التنمية. الحل الوحيد: أن تدفع هذه الشركات العملاقة الضريبة ولو بابتعاث خمسين متفوقاً من أبناء هذه القرية كل عام كي يعودوا إليها ولو بعد زمن لمحاولة إنقاذ هذا التباين المخيف ما بين الإنسان والمكان ووطأة التنمية.