كنت في مقال سابق أعدت طرح سؤال: "هل المرأة إنسان؟"، الذي كان محور المؤتمر الذي عقده الفرنسيون في عصورهم المظلمة لبحث قضية المرأة، هل هي بشر؟ أم تصنف حيوانا؟ وهل لها روح أم هي بدون روح؟ وذكرت أن جدلهم انتهى بأنها خُلقت لأجل خدمة الرجل فقط. وأن هذا الجدل يشبه كثيرا قضايا المرأة المطروحة اليوم وما يدور حولها، وكأننا بطريقة أو بأخرى نعيد هذا التساؤل "هل هي إنسان؟". وذكرت أن الكثير حينما نسألهم عن وضع المرأة لدينا سيُجيب بطريقة "أفلاطونية" أن الإسلام لم يترك فرقا بين المرأة والرجل في العبادات والتكليف والمسؤوليات والثواب والعقاب، وأنه أعاد إلى المرأة حقوقها ومكانتها ورفع من شأنها، وأنه جعل العلاقة بين المرأة والرجل تكاملية لا تخضع لسلطان أحدهما على الآخر، وأنهن شقائق الرجال ونصف المجتمع. بينما لو أنزلنا هذه الأفلاطونيات على واقعنا اليوم لوجدنا مجتمعنا أعرج يعاني انفصاما بين الحقيقة التي جاء بها الإسلام وبين العُرف والعادات التي تحكمه.
المرأة في هذه الإشكالية التي يعاني منها المجتمع حولها؛ لا فرق أن تكون عجوزا من القواعد أو سيدة شابة أو طفلة صغيرة، فما يسقط على الأولى يمر على الأخريات ويحسب عليهن، لذا أصبحنا نسمع ونشاهد كثيرا وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي أسهمت في النقل السريع للخبر، أصبحنا نلاحظ هذه "الفوبيا" التي تخلقها المرأة وما يتعلق بشأنها في مجتمع مهووس بها وبتفاصيلها حدّ التضييق والتغييب بحجة التدين والعفة.
كانت مشاركة عدد من الفتيات الصغيرات في مهرجان بريدة مثار جدل واسع خلال الأيام السابقة، وأصبحت قضية ظهور أمثالهن في فقرة استعراضية راقصة أمام الجمهور بابا نحو تأويلات مشينة واتهامات باطلة، حتى إن من يقرأ ردود الأفعال الغاضبة يعتقد أنها كانت نوعا من السالسا أو الفالس أو الباليه أو في أسوأ الأحوال كرقص "سانت جون" وليس مجرد استعراض تعبيري من فتيات صغيرات، ويندهش من حجم الإنكار هل هو لأن المكان هذا مقدس جدا في نظر أصحابه حتى إن عدة فراشات صفقت بأجنحتها ببراءة فيه أصبح أمرا مهولا وشيطانيا أو أن أصحاب هذا التهويل يُحتمل إما أن يكونوا مرضى في عرف أطباء وعلماء النفس بسبب نظرتهم الشهوانية لمن هن في مثل سنهن، أو أن يكونوا مبالغين في تدينهم وتطرفهم ويحمّلون سماحة الإسلام وإنسانيته ما لا يُحتمل كعادة الكثيرين ممن يحمل هذا اللواء.
وبعيدا عن هزليات المناشط السياحية المحلية التي تكون في مثل هذه المواسم والتي لا تخلو من بعض الفقرات التي لا يجد المنظمون لها بدا من إشراك الأطفال فيها ولو بصورة ممجوجة وسخيفة، إلا أن هناك من يحاول أن يُقدم الفرح على طبق من البراءة ونجدهن في مقابل قيامهن بحق طفولي بحت في الغناء والرقص والضحك، يُصدمن بمن يفسر هذه الممارسة بالخروج عن الأخلاق والأدب والمخيف من يجدهن مثارا للاشتهاء الجسدي الذي يعرف كمرض نفسي ويمثل صاحبه خطرا كبيرا على المجتمع لأنه يهدد بهذا سلامة الصغار، إناثا أو ذكورا، وقد يجد له ذريعة لارتكاب جرمه فيهم بالتحرش أو الاغتصاب بما يبرره له البعض أو بما يتصوره أنه أمر طبيعي في ظل الأدلجة والازدواجية الكبيرة التي يعيشها المجتمع تجاه شؤون المرأة.
مرضى "البيدوفيليا" كأي مرضى آخرين يوجدون في كل مكان حول العالم وللطب وسائله التي يحاول بها علاج من يعاني من مثل هذا الميل الجنسي الشاذ نحو الصغار، ولكن هناك مجتمعات معينة يزيد فيها ظهور مثل هذا المرض وقد يكون المجتمع نفسه سببا في ظهوره وزيادته، خاصة متى ما ألبس هذا التصرف ثوبا من الدين ووجد فيه غير الأسوياء مبررا لسلوكهم الشاذ، كمبرر الزواج من القاصرات الذي لم يحسم أمره محليا حتى الآن، والذي يسوغ للكثير النظر للطفلة الصغيرة المتدثرة بالنقاء والبراءة والطهر كجسد مشتهى. فحتى يسلم مجتمعنا الذي يفترض فيه السلامة ولو بحدٍ أدنى من حوادث التحرش، علينا أن نعترف وندرك أن الخلل الذي يعيش فيه المجتمع في تعامله ونظرته للمرأة هو السبب الأول الذي يؤثر في نفوس وسلوكيات أفراده، ولتقويمه على كل فرد أن يطهر نفسه من شوائب الأدلجة والحكم المسبق على الآخرين وأن يعود إلى إنسانيته الصافية ويؤمن كما ذكرت سابقا بأن المفتاح الأول للنجاة هو أن يُمارس هذه الإنسانية المُستحقة التي هذبها الدين الإسلامي ووازنها وجعلها سببا في سموه على بقية الكائنات من حوله.
ولن يتحقق هذا إلا بأمور كثيرة، منها نبذ التطرف وتمكين المرأة من دورها في المجتمع وفي حياتها الخاصة وترك المبالغة في تهويل ظهورها في المناشط والفعاليات السياحية والأدبية والعلمية، والنظر للطفلة الصغيرة بنظرة سوية لا تتداخل مع العقد والأمراض التي أفرزها التشدد الصحوي في نفوس أفراد المجتمع. وغاية الكمال أن تُمارس الفنون بكافة أشكالها في شوارعنا ومدارسنا وفعالياتنا المختلفة حتى لا يكون رقص الصغار "تغريبا" أو الغناء والمسرح والسينما نوعا من الخروج على قواعد متطرفة ما أنزل الله بها من سلطان.