أصاب الرئيس أوباما في مؤتمره الأخير مع رئيس الوزراء البريطاني وهو يشير إلى أن أوروبا لم ترتق إلى مستوى أميركا باحتواء المسلمين وجعلهم ضمن نسيجها الاجتماعي، هذا التصريح جعلنا نستعيد ما هي عليه بلاد النور والتنوير والثقافة فرنسا من تناقض، هذه البلاد التي قدمت الكثير لأجل الحرية وتغيير مسار الفكر إلى رحاب أوسع أصبحت تنهى عن خلق وتأتي مثله في الحال.

فبعد أحداث جريدة شارلي إيبدو لم يكن هناك مسلم عاقل يرضى بالقتل والإرهاب، لكن من برأسه عقل أيضا لا يقبل أن تكيل هذه الدولة التي ما زلنا نراها عظيمة بمكيالين، فالرسوم التي تسخر من المسلمين ورسولهم صلى الله عليه وسلم لا بأس بها، ولكن من يتطرق شزرا لليهود ولم يبلغ الإساءة فهو معاد للسامية، وانظروا ماذا فعلت ومباشرة بعد أحداث الصحيفة المذكورة بالممثل الكوميدي الفرنسي ديدوني، لأنه تعرض لليهود بالسخرية، وليس كذلك بل أوقفت أعماله وهو في انتظار محاكمة جديدة، الأدهى والأمر أن رسام الكاريكاتير الفرنسي ?"موريس سيني 80? عاما" قدم للمحاكمة ?العام الماضي لأنه أنجز رسما كاريكاتوريا لابن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وصوره معتنقا اليهودية من أجل المصلحة الشخصية والتكسب المالي. ليتم اتهام سيني أمام القضاء بمعاداة السامية والتحريض على الكراهية، هذا الرسم نشر في صحيفة شارلي إيبدو، وبعد النشر أقدم المسؤولون بالصحيفة على فصله عن العمل.

قد يطل علينا من يرى ذلك حرية التعبير، فهل حرية التعبير مرتبطة بالمسلمين ومقدساتهم فقط، ولهؤلاء المنادين نقول إذا كان التعرض لإنسان شتما أو استهزاء يجرمه القانون الفرنسي ولا يعتبر في إطار حرية التعبير، فكيف من يتعرض إلى مقدس في أي ديانة معينة، وليعلموا أن الإسلام لا يجيز المساس برموز الديانات الأخرى، وهل نذكركم أن عدم الإساءة للمعتقدات ملازم لحرية المعتقد المنصوص عليها في المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948 في قصر شايو في باريس، أي أنه انطلق من فرنسا!

نحن هنا ندين ما حدث في فرنسا لأنه ضد الإنسانية وضد المبادئ الحقيقية للإسلام بل إن الرفض لهذا الإرهاب والقتل سلوك أخلاقي يفرضه الانتماء للإسلام، لكن الأكثر أهمية هو ما بعد الإدانة، فالحكمة شعار لمن ينادون بالحرية والمساواة وحقوق الإنسان، فلماذا هناك فروق قاهرة بين المسلم واليهودي في القانون الفرنسي، إننا نتمنى على هذا البلد العظيم أن يعيد الاحترام ويمنع الإساءات لأننا نرغب كما هم عالما أكثر تآلفا وهدوءا، نتمناه عالما بدون إرهاب وبدون قتل، وقبل ذلك بدون استفزاز واضطهاد وقوانين متباينة تحمي أناس، وتضطهد آخرين.

ختام القول استشهد ببعض حديث للفيلسوف الفرنسي الأكثر شهرة ميشال أونفري، بعد حادثة الصحيفة المذكورة ولكم الحكم، يقول أونفري: "يجب أن نعترف بأننا عنصريين في حادثة شارلي إيبدو، لماذا لم تقل الحكومة للصحفيين توقفوا عن الإساءة لرسولهم في حين قالت لنفس الرسامين لما رسموا عن شعار اليهود إنه فعل مخجل لكم اعتذروا لإسرائيل؟

لماذا ديودوني منعت مسرحيته من العرض؟ وقد أدين أمام المحكمة العليا الفرنسية بتهمة معاداة السامية لأن مسرحيته تستهزئ باليهود.. لماذا؟ أجبني؟ هيا نستهزئ بالمسلمين واليهود معا لماذا المسلمين فقط؟ ولما يتعلق الأمر باليهود فنحن نعادي السامية".