كان الملك عبدالله – شفاه الله- أول من أدرك أن الإرهاب سيمتد أذاه ويطول شره وشرره ليصل إلى أوروبا، وكان ذلك واضحاً عندما ذكر ذلك خلال استقباله قبل أشهر جمعا من سفراء الاتحاد الأوروبي، ودعاهم إلى التكاتف في محاربة التطرف، وحذرهم أن نار الإرهاب ستصل إليهم عاجلاً أو آجلاً، وهو ما وقع فعلاً في حادثة مجلة شارلي وغيرها من الحوادث الجانبية، ومعلوم أن الحكماء وذوي البصيرة هم الذين يستشرفون المستقبل من خلال قراءتهم للحاضر واستكناه ما سيكون من خلال ما هو كائن.
والواقع يشي بأن التطرف والإرهاب قد أصبحا سمة دولية وظاهرة عالمية يتداخل فيها الديني والسياسي مع الفعل ورد الفعل، ويشوب لدى البعض هذه الأحداث النابعة من قناعات متكرسة الترصد والمؤامرة التي يحيكها الغرب للعرب والمسلمين.
كانت المملكة من أوائل الدول التي اكتوت بجمرة الإرهاب، وبذلت في سبيل مكافحتها كثيرا من البرامج الأمنية وبرامج التيقظ، وأخرى للمناصحة بل دعت ومنذ وقت مبكر (قبل عشر سنوات) إلى المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الإرهاب والذي انعقد في الرياض، لكن القوى الكبرى والتي يمكن لها أن تلعب دوراً رئيساً في تحقيق رسالة وأهداف المؤتمر لم تلق بالاً كبيراً لهذا الأمر، ربما لأن رسالة المؤتمر تتصادم أو تتقاطع مع بعض مصالح هذه الدول المتنفذة والتي تتورط أحياناً في دعم الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر بحسب خططها وسياساتها النفعية البراجماتية، والتي تهدف من ورائها إلى تحقيق مصالحها وتغيير تحالفاتها انسجاماً مع التحولات التي تحدث في هذا العالم بما يحتم عليها تغيير قواعد اللعبة فوق رقعة الشطرنج، لكن نبوءة الملك عبدالله والتي هي نتيجة قراءة متعمقة لهذه الشبكات والمنظمات التي تنمو وتتوسع في ظل دعم خفي ومشبوه تجده من الأفراد وبعض الدول قد تحققت حيث مادت الأرض الأوروبية بعدة حوادث متزامنة من القتل والتفجير والتهديد والأحرى أن ترتفع الموجة الإرهابية لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتكريس الحضور الإعلامي لهذه التنظيمات الإرهابية التي تعيش في الأقبية والكهوف، وفي سجلات التواصل الاجتماعي وهي تتحين الفرص كلما سنحت من خلال توظيفها واستخدامها لبعض الانتحاريين لتنفيذ بعض العمليات التي تعيد هذه التنظيمات إلى الصدارة ومقدمات النشرات الإخبارية.
ولكي تنجح مكافحة الإرهاب الدولي فإنه لا بد من التنسيق بين الدول وتبادل المعلومات، وهذا متيسر متى استشعرت الدول الكبرى دورها الرئيس في هذه المشكلة وتعاونت مع الآخرين كما عليها أن تستفيد من تجارب وخبرات متراكمة في هذا الشأن لدى بعض الدول مثل المملكة التي قلمت أظافر الإرهاب منذ وقت مبكر، وحق لها أن تفتخر بتجربتها الناجحة في هذا الشأن والتي حصدت إعجاب كثير من الدول المتقدمة.