أعود للمرة الألف إلى هذا الموضوع الخطير بهذه الرسالة الأمينة والمخلصة إلى معالي وزير الإعلام بأن يقفل ألعاب الشبكات أو يحسن من بيئتها ومحتواها.. أنت من أول العارفين والمهتمين بالشباب بحكم المشاريع المميزة التي وقفت عليها في منطقة مكة المكرمة، وأنت من أول العارفين أن شبابنا هم أغلى وأنفس ما يملكه الوطن. وأنا أنقل إليك هذا الخبر المحزن جداً يا معالي الوزير بأن شبابنا يضيعون في صالات ألعاب الشبكات ويضيّعون أوقاتهم، لقد أصبحوا مدمنين عليها. زوروا تلك الصالات وستصابون بالذهول مما ترون: شبابنا وأطفالنا يمارسون على مدى 24 ساعة العنف والقتل بشتى أنواعه وتقطيع الأجساد وسيل الدماء.. فوضى عارمة، روائح نتنة، والله الساتر مما لا نعلمه من أمور أخرى هي شر ووبال كبير عليهم.

هذا ما خفي عنا، لكن الظاهر لنا سيئ جداً، فالشباب في عمر الورود من سن الحادية عشرة أو أقل بقليل إلى سن الثامنة عشرة يتواجدون هناك لساعات طويلة تصل إلى عشر ساعات، وأثناء وقت الصلاة تغلق الأبواب عليهم داخل تلك الصالات. وبناء على ذلك أظن أنه ليست هناك قوة تمنعهم من ارتيادها.. أنقل إليك يا معالي الوزير أيضاً أن بعض القوانين العالمية الآن تطالب بمساواة ألعاب العنف في الشبكات بمستوى ممارسة "الفحش". وأنا هنا أتوسل إليك أن تشكل فريقاً لدراسة الأمر حتى لا تكون جهودنا ردة فعل لمعاناة من نتائج وأعمال شنيعة متوقعة.. وأنقل إليك نتائج دراسة خرجت في 17 ديسمبر من عام 2012 عن مدى تأثير ألعاب الشبكات والفيديو على الأطفال، وهل فعلا تسبب لهم العنف.. واستحواذ الدراسة على اهتمام بعض أعضاء الكونجرس الأميركي خصوصاً بعد أحداث 14 ديسمبر في مدرسة نيو تاون في ولاية كونتاكي التي قتل فيها 27 شخصاً بين طفل ومعلم.. واكتشف أن القاتل الذي يبلغ من العمر 20 عاماً متحمس لألعاب الفيديو والشبكات العنيفة جداً التي قد يكون لها تأثير على فعلته..

لكن بعض أعضاء الكونجرس قالوا في طرحهم: "إن العنف في ثقافة التسلية، وبالتحديد الواقعية الخارقة للعادة لألعاب الفيديو اليوم وكذلك أفلام العنف في السينما فعلاً تسبب مزيداً من العنف". وكانت بداية طرح تأثير ألعاب العنف على الصغار على مستوى واسع في عام 2011 عندما قُدمَ قانون في ولاية كاليفورنيا يحظر بيع بعض الألعاب للأطفال إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية للفصل فيه، وكان قانون قد صدر عام 2005.. وهذا مؤشر عملي لدرجة خطورة الأمر. في بلادنا، أطفالنا ومراهقونا يمتلكون فراغاً كبيراً تدل الظواهر على أننا لم نتمكن بكامل مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية من التعامل معه بنجاح، لهذا لجؤوا إلى ألعاب الشبكات التي يقضون فيها أوقاتاً طويلة يمارسون ألعاب الحرب والاقتتال التي تؤدي إلى تنامي روح العنف والعداء وحب الانتقام والمشاجرات. حيث يظهر في كثير من الألعاب القتل بجميع أنواعه وأشكاله وتقطيع الأجساد بشكل واضح بجميع أنواع الأسلحة وأشكالها.

ونسأل: هل تعلم الجهة التي أصدرت الترخيص بمحتوى هذا النشاط التجاري قبل فسحه؟ لا نردد المقولة الشهيرة في مثل هذه الحالات، ولكن نقول ها هي قد علمت الآن فلماذا السكوت؟ وسؤال آخر: لماذا يضطر الأطفال والشباب إلى الذهاب إلى هذه الصالات؟ هل بسبب عدم وجود البديل أم بسبب شدة جذبها حتى أصبحت إدمانا؟

هذه الصالات وما يمارس فيها من عبث هي شر ووبال على أطفالنا وعلى شبابنا ومجتمعنا وعلى وطننا بأكمله، لأسباب كثيرة منها الظاهر ومنها الخفي.

ألعاب الشبكات هذه نوع من الإدمان الذي لا أظنه يقل خطراً عن أي إدمان آخر. وأبناؤنا يتعلمون في مدارسنا في أول النهار القيم الإسلامية الصافية مثل المحبة والسلام والتسامح، وكذلك منا كأولياء أمور، ثم يذهبون في آخر النهار إلى صالات ألعاب الشبكات التي تدمر كل القيم التي تعلموها.

مراهقونا وشبابنا بين البيت الذي لا يعرف أين يذهب أبناؤه ومع من يذهبون وماذا يعملون، وبين مؤسسات لم يعد ما هيأته لهم من الأماكن والبرامج كافياً لجذبهم إليها وقضاء أوقات ممتعة ومفيدة فيها. وقد أجرؤ على القول: إن دور البيت بدأ يضعف في ظل العولمة التي نعيشها، والتي أصبح فيها مصدر الفكر متبدلا ومتغيرا وخطرا ومتناقضا، وأصبح من المتعذر على البيت أن ينفرد بالتصدي لمشكلات أبنائه المعاصرة، وأصبح دور المؤسسات التي ترعى الشباب بالأنشطة الفاعلة الرياضية والثقافية والاجتماعية كبيرا، وأصبح دور المؤسسات التي تربي الشباب وترعى فكرهم مهما، وأصبح الحسم والحزم أمرين مهمين في أهمية اتخاذ القرار، أولاً بالتعرف على المشكلة ثم الحزم في اتخاذ قرار العلاج.

أصبحنا نرى في مجتمعنا سعوديين بأشكال وملابس مزرية لا تليق بهذا البلد الطاهر ولا بأهله، شعور طويلة بشكل مقزز.. ملابس ضيقة مفتوحة الصدر، ثياب مزركشة وبعضها "محزَّز"، أخشى أن يدفعنا مبدأ الحرية الشخصية الذي أسكتنا عن الممارسات السابقة إلى ممارسات أشد فتكاً بمثلنا وقيمنا وأخلاقنا ثم تصبح كالسيل الذي لا يمكن صده.

خلاصة القول، كلنا أمل في معالي وزير الإعلام أن يساعد البيت الذي يحتاج اليوم إلى مساعدة لأنه لم يعد المصدر الوحيد للتربية ولا للفكر. هذا ما يجب أن ندركه ونعلمه ونتصرف على أساسه، وإلا بقينا نعلق آمالاً على من لا يستطيع تحقيقها.. البيت يمكن أن يساعد ولا يمكن أن يقوم بالمهمة كاملةً، ومن هنا أصبح دور المؤسسات أكثر أهمية، لا بد أن تنسق المؤسسات المعنية مع بعضها في الدراسة وفي النتائج والحلول، ولهذا السبب فإن الحل يكمن في قوة السلطة التي تملك الحل الحاسم والحازم في هذه القضية..الشباب وفكرهم أمانة عندك يا معالي الوزير. يتطلب الأمر إجراءات عاجلة وحاسمة تبدأ بدراسة المشكلة للتعرف عليها ثم الحسم والحزم في علاجها.