"راجعت خطابي في افتتاح المؤتمر الخامس الذي عقد في يناير من العام الماضي حتى لا أكرر ما سبق أن تناولته فيه من قضايا وأفكار وما طرحته من رؤى وحلول أو ما تحقق من أهداف وتوصيات، فضلاً عن عدم اجترار ما تمر به منطقتنا العربية من الأخطار السياسية والاقتصادية التي تهدد منطقة الشرق الأوسط الجديد منه أو القديم، فتبين لي أن المواقف ما زالت تراوح مكانها"، بهذه الكلمات بدأ رئيس مجلس جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز خطابه خلال افتتاحه المؤتمر الدولي السادس للموارد المائية والبيئة الجافة صباح أمس في قاعة الشيح حمد الجاسر بجامعة الملك سعود.

وقال الأمير خالد بن سلطان: "في المجال السياسي، ما زال الإرهاب يرتع في كل مكان، ولا توجد دولة واحدة بمنجى منه، فضلاً عن تلونه في أساليبه ووسائله وأشكاله وصفاته، وإن كان هدفه الأساسي ظل ثابتاً لم يتغير، وهو هدم الدولة ومؤسساتها أو تقسيمها، وتشتيت شعبها أو فرض أفكاره ومعتقداته". وأضاف: أما المجال الاقتصادي فليس أفضل حالاً إذ اقتحمه الإرهاب الأسود، وأصبح جزء منه مسيطرا على آبار نفط وخطوط إمداد وسدود مائية، ولم ينج المجال الاجتماعي من براثنه، فهناك دول بلا رئاسة أو قيادة، وأخرى انقسمت إلى دويلات وميليشيات، ودول دخلت في حرب أهلية، فضاع الأمن الاجتماعي وعاد الزمن إلى عصور سحيقة مظلمة، فالنساء تغتصب وتسبى باسم الشريعة، والفتيات والفتيان يباعون جواري وعبيدا، والأطفال يختطفون إلى معسكرات يربون على غلظة القلب وقسوته، والقتل على الهوية أو المعتقد جائز بل واجب شرعي، والكل يتمسح بالإسلام العظيم وشريعته السمحاء، وهو منهم براء، فهم يعرفون اسمه ولا يدركون حقيقته. وأكد سموه أن على الجميع مواجهة الواقع بصدق وصراحة، عند تحديد الاستراتيجيات ورسم السياسات ووضع الخطط، فلا أمن غذائياً من دون أمن مائي، ولا أمن مائيا من دون أمن اقتصادي، ولا أمن اقتصاديا من دون أمن سياسي واستقرار مجتمعي. أما أمن الطاقة وأمن البيئة، فيتعلقان بأذيال ذلك الأمن السياسي، وما يجري في الموصل وحلب وبنغازي وصنعاء والحديدة ليس ببعيد.

وأضاف الأمير خالد بن سلطان: علينا ألا نستسلم إلى واقع الحال من إرهاب سياسي واقتصادي ومجتمعي، ولا نقف موقف المتفرج، فالأمل في نصر الله لا يزال موجوداً والثقة بأبناء الشعوب العربية قائمة غير مهزوزة، وعلينا البدء باتباع الأسلوب العلمي الصحيح في التفكير والتخطيط والتنفيذ في ظل استراتيجية نحددها ورؤية نبتكرها وسياسات عادلة نلتزمها، وتحديد التحديات المائية الحقيقية القائمة تحديداً دقيقاً في ظل ما هو كائن، وليس في ظل ما ينبغي أن يكون، والوقوف على أسباب المشاكل المائية تفصيلاً سواء الطبيعية منها أو الناجمة عن سلوك البشر، والاستخدام الكامل الواعي للتقنية الحديثة والإبداع والبحث العلمي عند اقتراح البدائل والحلول غير التقليدية والتوصيات البناءة بواقعية وشفافية مع وجوب احتواء تلك الحلول على خطط تنفيذه وآلياتها وأدوار كل دولة فيها، والإجراءات التي ستتخذ ضد الأطراف غير الملتزمة، والاستعانة بالخبراء والمختصين الثقات في كل مجال.

وقال الأمير خالد بن سلطان: "كان بودي أن تبدأ فعاليات المؤتمر باستعراض توصيات المؤتمر السابق وتبيان ما أنجز منها وما لم ينجز وأسبابه مع الإشارة صراحة إلى من ساعد ومن أعاق، من أنجز ومن تقاعس، ومن يرى جدية هذه المؤتمرات ومن يعدها عديمة الجدوى وإضاعة للوقت".

وتساءل الأمير خالد: لماذا لا نبالي في بداية كل حدث ونتكاسل عن اتخاذ الإجراءات الواجبة حتى تتفاقم الكارثة؟ ولماذا لا نخطط للمستقبل كما يفعل غيرنا بناء وتطويرا وتوقعا، قائلاً: "نحن نعلم منذ سنوات خلت أن العالم مقبل على أزمات خانقة في إنتاج الطاقة، وعلى الرغم من ذلك لم نهتم بالطاقة الشمسية وأهملناها مع أن جميع علمائها وخبرائها يؤكدون أنها أحد الحلول الناجعة في تجنب كارثة نقص الطاقة، فضلاً عن تقليلها التلوث والأخطار الصحية بنسبة لا تقل عن 90%، وأنها ليست وحدها التي تستحق الاهتمام، فقد سبقتنا دول كثيرة ومنها الصين في توليد الكهرباء من الرياح، وأصبحت أكبر دولة منتجة لها، ونتساءل: أين الرؤية المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي؟ أليست الطاقة هي مفتاح المشاريع المائية كافة؟".

وأضاف "نعلم أن الوقود الحيوي في العالم ستكون له آثار ضارة مدمرة في المدى المتوسط والبعيد، فقد ظهر في البداية لتوفير الناتج المحلي من المواد البترولية ثم أصبح مجالاً لاستغلال الدول الفقيرة من أجل تحقيق فائض في الدول الغنية، وحذرت دراسة أسكتلندية عنوانها "الوقود الحيوي والأمن الغذائي وأفريقيا" من أن المزارعين الأفارقة يواجهون بسببه أخطارا حقيقية، فضلاً عن أن إزالة الغابات تؤدي إلى التصحر وتلوث الموارد المائية، والصراع على المساحات المتبقية من الأراضي الزراعية. وتساءل سموه: ألا يستحق مثل هذا الموضوع أن يعطى الأهمية الضرورية بل القصوى لما له من تأثير في الدول العربية؟".

واقترح الأمير خالد بن سلطان أن يدرس الوزراء المعنيون تقرير التنمية المائية 2014 الصادر من الأمم المتحدة لأهميته في التحليل الدقيق للعلاقة بين المياه والطاقة في الدول كافة فضلاً عن الإحصاءات المخيفة التي وردت في التقرير.

من جانبه، قال الأمين العام لجائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه الدكتور عبدالملك آل الشيخ إن هذا المؤتمر حظي بسمعة عالمية متميزة خلال الدورات الماضية، ويشهد إقبالا كبيرا من الباحثين للمشاركة في تقديم الأوراق العلمية في محاور المؤتمر المتناغمة مع فروع الجائزة، كما يتيح الفرصة لالتقاء العلماء والباحثين والعاملين في قطاع المياه وتبادل العلوم والمعارف في مجال حيوي مهم، ويسهم في مساعدة متخذي القرار والمسؤولين في التعرف على الممارسات العالمية الناجحة.