ثقافة الوصاية تنظر إلى الفرد بأنه قاصر مهما بلغ من الرشد، ولا تجعله يبحث عن الصلاح في نفسه بل تفقده الثقة بذاته حد الظن بأنه يحتاج إلى موجه أخلاقي يشرف على سلوكياته ليكون فردا صالحا، فحين يبحث عن مساحة من الحرية تأتي من احتياجه الذاتي ينظر إليه بأنه يبرر التصرفات التي قد يفعلها في إطار الانحلال والتحرر الأخلاقي الخارج عن النموذج الذي تعمل عليه الوصاية، بمعنى أنه سينحرف، ومن هنا سنجد أن بعض الآراء تطالب بديمومة الوصي وتمكينه على نمط الخصوصية والشأن الشخصي الذي قد يطاله جزء منها، لكنه لا يمانع طالما أنه يسير وفق التوجه التابع للأوصياء، هذا في ظل فقدان الوعي والثقة بالنفس.

مسلسل متكرر من المخالفات التي يرتكبها بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف تأتي في هذا النمط، وهو الأسلوب الذي يحاول أن يقيم الشخص من شكله وتصرفاته ولو لم يؤذ الآخرين، وسياسة الشك المعمول عليها تقتضي أن يطالب الفرد بالتنازل عن كرامته لانتهاك خصوصيته ولو لم تستدع الحاجة، وكانت هذه قد انتهت بضرب شاب لرفضه تفتيش جواله في الأسابيع الماضية، هذا بالرغم من إصدار تعليمات رسمية من الجهة منعت هذه التصرفات التي تعتبر انتهاكا للفرد ولا تصور إلا اجتهادات تأتي من خلفية متطرفة، إلا أن هذه المخالفات لا زالت تقع ويرى أصحابها أنهم ذوو حق مطلق فيما يفعلون.

البعض من منسوبي هذا الجهاز لا يخرج عن خريطة عقله الإدراكية، ولا زال يخوض في هذا القالب ويتصرف من خلاله وينسى أنه محسوب على جهته، عندما يظن هؤلاء أن فرض أسلوب السلطة يحفظ لهم مكانة من الاحترام والهيبة التي يعوض فيها نقصه وضحالة تفكيره، في ظل فقر المعرفة بالأساليب التربوية التي يفترض أن يهيأ عليها المحتسب قبل النزول إلى الميدان، وهم يتجاهلون الحالة التي يخضع لها المجتمع في تحولاته الفكرية، فقد كان الناس يتقبلون، ثم أرادوا التماس العذر وحسن المعاملة، ثم سيبحثون عن البديل إذا خرجت تلك السلوكيات من إطارها التقليدي لتأخذ طابع السلوكيات العدوانية في فهم الناس، فهذا التضاد والمزيد من الإحراجات ستقود الجهاز إلى مأزق لا يمكن الخروج منه.

على هيئة الأمر بالمعروف أن تهيئ منسوبيها وتعيد تأهيلهم بالبرامج والدورات التدريبية على المبادئ التربوية والاعتدال في التعامل، إضافة إلى وضع اللوائح التنظيمية مع فرض العقوبات للمخالفين، وإن استعصى الأمر فعليها إحالتهم إلى قطاع البناء والتشييد، ليفرغوا طاقاتهم بعيدا عن انتهاك البشر.