جحدر اليماني، امرؤ القيس، الشنفري الأزدي، تأبط شراً، لبيد بن ربيعة، الخنساء، عنترة بن شداد، ليلي الأخيلية، والقائمة تمتد ولا تنتهي من هؤلاء وغيرهم من شعراء العرب ممن عاشوا تحت لهيب شمسنا، وأبدعوا فصيح تراثنا، لكننا ويا للهول نتجاهلهم كما لو كانوا من غير بلادنا!

الدكتور عيد بن حمد اليحيى لم يركن للحديث الصحفي أو التنظير الأكاديمي، بل أخذ على عاتقه أن يكشف النقاب بالإحداثيات الجغرافية مواقع الأحداث الشهيرة في تاريخنا، ويثير شهية الباحثين والمهتمين، كما فعل في "حديقة الموت" التي لجأ لها "مسيلمة الكذاب" في "الجبيلة" شمال الرياض، أو جبل "التوباد" في "الأفلاج" وقصة "قيس وليلى"! أو وداي "نعام" غرب "حوطة بني تميم" الذي احتضن قصة الحب العذرية للشاعر "عروة بن حزان" وابنة عمه "عفراء"، معتمدا على ذخيرة علمية وشغف يحسد عليه.

كل هذا وغيره ظهرت بجهود شخصية من الدكتور"اليحيى"، حتى تلقفته قناة العربية وبادرت بتمويل البرنامج الوثائقي الضخم: "على خطى العرب"، الذي يأخذنا كما لو كنا نقلب صفحات قاموس مرئي لشعراء العرب، وإلى توثيق سير مثيرة بأسلوب يتجاوز برامج الإلقاء والحوارات الفارغة، إلى الرمال والجبال والوهاد، لنتقلب بين صدر وعجز قصيدة جاهلية أو أخرى من عصر صدر الإسلام، ولك أن تتصور أن فريق البرنامج قطع 23450 كيلومترا في كافة أنحاء المملكة ليقدم هذه الإضافة الوطنية المبهرة، الذي تزداد إعجابا ودهشة به كلما شاهدت حلقة منه.

للأسف لم يدرك البعض أهمية ما يقوم به اليحيى من سبق إعلامي وجهد خرافي، نحو التعريف بتلكم الشواهد، وبعثها إلى الحياة من جديد، وانشغل بنقد لحن عابر أو خطأ بسيط، وتغافل عن الهدف الأساسي لتلكم الخطى، فالمسألة ليست فقط مجرد تسليط الضوء على قصة شاعر أو موقعة حدث، بقدر ما أنها فرصة للتعرف على قصة أنثربولوجية أجدادنا، وإدراك طبوجرافية بلادنا، والأهم من كل ذلك: مزيدا من الاعتزاز بوطننا.