بقدر ما تتسارع العلوم بقدر ما تزداد فرص الإبداع والابتكار لبني البشر، حتى أضحى اختراع شيء جديد أمرا غير مثير للدهشة كما كان يحدث سابقا، فالأفكار تتلاحق وخطوط الإنتاج تتنافس، بيد أنه في خضم هذا التسارع هناك السؤال يطرحه نفسه ماذا يخبئ لنا العلماء في قادم الأيام؟ هل هناك مفاجآت جديدة؟ هل هناك أفكار ثورية قد تقلب ظهر المجن لنظريات تقادمت وممارسات أصبحت من المسلمات؟

ولعلكم تتذكرون مقالي الذي سبق ونشر هنا قبل عام كامل عن أفكار أهم عشرة علماء عبر العالم، بعنوان: "بماذا يفكر الأذكياء العشرة؟"، التي تنوعت في مجالات العلم المتعددة، والمثير في الأمر أن بعضها قد تحقق أو على وشك التحقق، لكن دعونا من كل هذا ودعونا نكتشف شيئا من مستقبل العلوم خلال السنوات القليلة القادمة من خلال قراءة سريعة لأهم المجلات والدورية العلمية.

أحد أهم التوقعات القريبة هي القدرة على قيادة الطائرات دون طيار ليس بواسطة مقبض أو لوحة تحكم، بل إمكانية توجيهها بواسطة الدماغ البشري مباشرة! كيف يحدث ذلك؟ الأمر بكل بساطة يحدث عبر كرة لولبية في خوذة يعتمرها الإنسان وتتأثر بالنشاط الكهربائي للخلايا العصبية، ثم تقوم بإرسال رسالة كهرومغناطيسة إلى الطائرة مباشرة وتتحكم بها.

أما حلم لاعب ألعاب الفيديو الشهير "أكولوس ريفت" بإيجاد خوذة اللعب الكاملة، فإن هذا الحلم قاب قوسين أو أدني أن يتحقق، بعد توالى فشل شركات ألعاب الفيديو في هذا المجال منذ سنوات طويلة، كما سبق أن حدث مع شركة "نينتاندو" قبل عشرين عاما عندما أنتجت خوذة "الفتى الافتراضي" التي رغم نجاحها التقني المبهر إلا أنها كانت تسبب صداعا وغثيانا لا يحتمل من جعلها تفشل فشلا ذريعا، لكن من شبه المؤكد أن المستقبل القريب سيحمل لنا أنباء عن ظهور خوذات الألعاب ثلاثية الأبعاد، خاصة وأن تنقية عرض الصور على شاشتين متباعدتين داخل القناع أضحت حقيقة يمكن استخدامها بكل سهولة في ألعاب الفيديو، بل إنها تعطي شعورا بعمق الصور يكاد يكون حقيقيا.

وما دمنا في شق التقنية فإن ظهور الشاشات المرنة لأجهزة الهواتف الذكية أضحى أقرب اليوم من أي وقت مضى، بل تكاد تتميز تلك الشاشات بأن ألوانها أكثر حقيقة وأكثر نضارة، لأنها مكونة كليا من صمام ثنائي عضوي باعث للضوء، وليست معتمدة على الأنظمة السابقة لعرض الألوان، كما أنها تتميز بقدرتها على تحمل الصدمات بشكل أقوى، ومن المتوقع أيضا أن تكون هذه التقنية حجر زاوية تطوير هواتف المعصم الذكية، التي أصبحت واقعا منذ سنوات قليلة.

هذا يقودنا أيضا إلى النظارات الذكية، التي بدء عملاق الإنترنت "جوجل" في تسويقها، على الرغم من أن كثيرا من مميزاتها ما تزال في مراحل الأبحاث وتجارب الأداء، خصوصا فكرة النظارات المتصلة لعدد متعدد من النظارات، أو تطبيقات تحكم العين بما يعرض على الشاشة والتعامل معها كما لو كانت لوحة تحكم عادية، إذ سيصبح بإمكان عينك التحكم في التقاط الصور ومعالجتها ومشاركتها دون أن تحرك أطرافك، أو الإبحار في محرك البحث أو وسائل الاتصال الاجتماعي فقط برمشة عين عابرة!

أما في مجال علوم الحياة، فمن المتوقع أن يشهد العام الحالي الإعلان عن عدد من الأدوية "الحيوية" الجديدة التي تكافح أمراضا "يتيمة"، فضلا عن تطور الأدوية المعتمدة على علاج الموروثات، وبالذات الأمراض الوراثية والاستقلابية، كما استنبات الأعضاء البشرية في المعامل يزداد تسارعا يوما بعد يوما، ونحن في انتظار أن يعلن أحد مراكز الأبحاث المتقدمة نجاحه في ابتكار طريقة تجارية آمنة لإنتاج الأعضاء البشرية.

أما في تقنية النانو؛ فعلى الرغم من تعدد مجالات تطبيقاتها وكثرة مخرجاتها خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن الآمال مركزة – حاليا ـ على تطوير "الجرافين Graphene" وهي المادة الكربونية التي تمتلك خصائص فريدة، إذ إنها شفافة ضئيلة السماكة وتمتاز بمرونتها العالية وقوتها الفائقة، الأمر الذي يجعل من الممكن استخدامها في الكثير من التطبيقات التجارية ومناحي الحياة المختلفة.

بالتأكيد مسيرة العلم لا تتوقف، والآمال دوما معقودة على أن يبذل الإنسان مزيدا من البحث والجهد لتطوير ما لديه من معرفة وابتكار شيء جديد يضاف إلى رصيده العلمي، الأمر المؤكد أن مستقبل البشرية يزداد إشراقا وتفاؤلا كل يوم مع ظهور هذه المخترعات وغيرها للعلن.