الثقافة والأدب بقدر ما تربطمهما من وشائج قربي في الآليات ونظم الاكتساب المعرفي من إطلاع وقراءة عميقة وعصف فكري وسلوكيات ترتبط بالشخص والشخصية، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين المثقف والأديب، وإن كان كل أديب هو مثقف بالضرورة، ولكن ليس كل مثقف أديبا.

يستهويني الاتجاه الأدبي ويغريني منذ الصغر، وبدأ أكثر نضجا في السابعة عشرة حين اختصرت كتاب ـ المستطرف في كل فن مستظرف ـ وتلقيت مكافأة مالية من والدي "رحمه الله"، ومن بعدها وريقات نقدية عن العقد الفريد لابن عبدربه الأندلسي، ولذلك أجد في داخلي هذا الشعور الذي يغريني أن أدافع عن مفهوم الأدب والأديب ويستفزني الخلط بينهما جهلا أو عمدا.

المشهد الثقافي والأدبي يمثلان الوجه الحضاري للأمم والترمومتر الحقيقي لقياس تطور المجتمعات وتقدم مسيرة الأوطان، من خلال ما يقدم لتثقيف العقل الجمعي ومخاطبة الوجدان الإنساني والتأثير الإيجابي في سلوكيات المجتمع.

تعاريف الثقافة لا حصر لها وقدم لهذا كثير من الفلاسفة والمفكرين وفي رأيي المتواضع أنها ذلك المزيج من المعارف والعلوم التي اكتسبها الشخص عبر وسائل الاكتساب المعرفية في العقل الجمعي وأصبح لها صبغة التميز والدلالة. المثقف باعتقادي هو ليس فقط من اكتسب تلك المعارف الثقافية لكنه الشخص الذي يستطيع مزج تلك الخبرات المعرفية والمهارات والملكات في برنامج عصف ذهني داخلي ويترجمها على شكل تصرفات في الحياة اليومية ومحتوى جمالي لغوي حين التعبير المكتوب والمنطوق.

على الرغم من التخصص في آداب اللغة الإنجليزية إلا أنني أقضي معظم الوقت في الاستمتاع بالأدب العربي من قصة ورواية وشعر وفنون مختلفة وله على الإنجليزي في وجداني درجة.

ربما سنبدأ هنا الحديث عن سعادة الأديبة المثقفة فمن الواضح للأسف أن هناك خلطا كبيرا بين الأديب والمثقف، والوعي المعرفي يفرض إدراك الفرق في المسمى والممارسة.

الأديب المبدع يثري المشهد بتلك الإضاءات الفنية التي ينتجها من أعمال الأدب لتسمو بروح الإنسان وترتقي في تاريخ الأمم عبر الزمن، لكن المثقف مثلا لا يستطيع حتى الكتابة بلغة أدبية تغري أعماق النفس البشرية بذلك الشعور المفعم بالفضول والتساؤل والتأمل فضلا عن كتابة رواية والتمكن من أدواتها.

عندما نتحدث عن عمل أدبي حقيقي، فإننا ينبغي أن ندرك أن الحكم على القيمة الجمالية والإبداعية في العمل، وأن الأديب يعرض عقله وفنه على الناس، وفي ذلك خطورة كبيرة ما لم يدرك تلك الحقيقة ويعمل على أن تساعده ملكة الإبداع في ذلك، ولا نتحدث عن ـ سلق البيض ـ الذي تقوم به سعادة المثقفة أُم ضحكة جنان، من خربشات على ورق "الآي فور" لترسله بعد فترة إلى صاحب دار نشر باسم رواية عشق منتصف الليل أو حبيبنا المثقف.

المثقف مشروع أديب ونواة عمل أدبي جميل، لكنه يحتاج لامتلاك الأدوات وتلك الأدوات لا تأتي بغير دراسة الأدب والنقد الأدبي والمقارنة الأدبية ولا يستطيع أي فعل ثقافي أن يكون أدبا، فالأدب نتاج مختلف.

ككاتب رأي أتناول مواضيع مختلفة وأفكار شتى وأميل إلى الكتابة في الشأن الاجتماعي والسياسي في مقالاتي في مساحتي الأسبوعية، ولم أعتد أن أتحدث عن الجانب الأدبي في حياتي واهتمامه وعلاقتي به لكن يبدو أحيانا أن العودة للحديث عن ضرورة التفريق بين المثقف والأديب مستحبة، بل ربما واجبة لما ألحظه من خلط عجيب أصبح مزعجا.

المثقف وصاحب الرأي والإعلامي وربما بائع الخضار ـ مع احترامي لثقافة كل إنسان ـ أقول ربما سيصبح بائع الخضار أيضا إضافة للإعلاميين والمثقفين أديبا.

لا تطلق صفة الأديب إلا على من درس الأدب ومارسه كتابة ونقدا وتجرأ على أن يعرض عقله على الناس بفن من فنون اللغة. الإعلاميون والمثقفون لا علاقة لهم بالأدب من حيث كونهم بتلك الصفة فقط، ومن الخطأ إقحام البعض أنفسهم في تلك الفنون التي تحتاج ملكات خاصة، من أهمها الإبحار في تتبع تلك المعارف الأدبية دراسة وإنتاجا ورقي وجدان.

عزيزي المثقف وعزيزتي الإعلامية أم ضحكة جنان، الكثير ممن درسوا الأدب سنوات طوال وأبحروا في بحره الذي لا ساحل له وأثروا الساحة الأدبية، يرغبون أن تصل إليك رسالة مفادها فلنحمل للأدب قيمة أكبر، فليس كل مثقف وإعلامي أديبا، فلنحترم الأدب ولا نطلق تلك الصفة إلا على من يستحقها من درس الأدب وكتب الأدب، ولنكن حماة له من أن يطلق على غير أهله.

تسمع كثيرا عن فلان ذلك الذي يحسّن التقديم في برنامجه الثقافي أو تلك المذيعة الحسناء أُم ضحكة جنان أنها أديبة، طيب كيف أصبحت أديبة؟، يأتيك الجواب مسرعا، يا أخي ماشاء الله عليها متحدثة لبقة ومثقفة وضحوكة؟! برضو أيها الأحبة وبكل صدق وبلهجتنا الدارجة معليش برضو مش أديبة هي فقط مثقفة أو كاتبة.

الأدب حالة إنسانية والثقافة حالة فكرية وحتى يعي البعض الفرق بين المثقف والأديب لا بد من الإشارة إلى أن هذا الخلط. هو جهل مركب أيضا ودمتم بخير.