لم يخل الخطاب الإبداعي عبر دلالاته الواسعة التي تتدفق في ثنايا المنجزات الأدبية الإبداعية من المفاهيم والقيم التي توصف بالجمال أو القبح، فمن حيث المفهوم الذي هو خارج الإطار الإبداعي فإن الناس يختلفون عليه بالقدر الذي يفلسفونه في حياتهم ليمارسوه ويجعلوا منه مستندا فيما يصدر عنهم من سلوك أو صدى لسلوك آخر، لكنه –أي المفهوم- إذا ولج إلى الحيز الإبداعي فإنه يستحيل عبر الذات المبدعة إلى قيمة جمالية مهما اختلفت معايير النقد أو رؤية المتلقي حياله، فاللصوصية كمفهوم حياتي يمكن فلسفتها والحكم عليها بالقبح، لكنها ما إن تدلف إلى الحالة الإبداعية وتصبح جزءا من سيرورة العمل الإبداعي فإنها تتحول إلى قيمة فنية جمالية تدعم حراك العمل كما حدث في الرواية عن الأسطورة "روبن هود" الفارس الشجاع الذي كان يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء، والذي كان موصوفا بالخروج عن القانون فيما هو يناهض قوى الإقطاع واستغلال البشر، المفهوم في الحياة العامة مرفوض لكنه داخل مسرحية "سيدي فيرونا" لشكسبير استحال إلى قيمة جمالية مبتغاة، والأمر يسري على صعيد الأدب العربي كذلك كما عرفنا عن صعاليك العرب، ودهاتهم، وأخبار الحمقى والمغفلين، وأصحاب الأجوبة المسكتة. في القصيدة العربية نجد توظيف الشعر لأغراضه المعلومة، فالنسيب والتعرض إلى جمال المرأة في كلام الناس المعتاد مفهوم مختلف عليه بحسب سياق الحديث، لكنه إن وظف في نص شعري رفيع يصبح قيمة جمالية يعتني بها النقد ويعمل على إبرازها ودراسة حمولاتها النفسية والاجتماعية.
إن علم الجمال لمما يتصدر اليوم في الدراسات النقدية، ويرتبط بها ارتباطا وثيقا ما ينفي مقولة الهوة الواسعة بين النقد وعلم الجمال، إذ يتكئ الناقد في عمله الشاق على معطيات الفعل الجمالي، خاصة أن علم الجمال لديه من القدرة على تفكيك الخطاب الإبداعي ما يجعله حاضرا حين يشرع النقد في التصدي لبنية النص وبيان مكوناتها، وفي هذا الصدد يتوجب علينا ألا نغفل عن الذات المبدعة وما يصدر عنها لحظة الوهج والإنتاج فهي من يهيئ للنقد أو الجمالية -باعتبارها نظرية- أن يتلقيا المنجز الوليد بالرعاية والتقديم اللائق.
ومثلما يحتاج النقد إلى نظرية الجمال فهو كذلك في حاجة إلى المناهج العلمية الأخرى كالمنهج النفسي وإلى إنجازات علم الاجتماع، والتاريخ والعلوم التطبيقية البحتة.