حين بدأت الكتابة في الصحف قبل أربعة عشر عاما، كنت وكما البدايات دوما، أبعث برسائل التقدير للكتّاب الذين يمنحون الكتابة وهجا في نفسي، ويثيرون الشغف والتحفيز على اقتحام التجربة.
وللحق فإنني لا أملك تلك الذكريات الطيبة، البعض أجاب بتعالٍ سخيف، آخرون لم يردوا، وأحدهم ـ وهو من الأسماء الرائدة في تاريخ الكتابة الصحفية وله مؤلفات متعددة ـ شتمني بطريقة غير لائقة، لأنه اقترح علي نشر رسالتي في زاويته، وأجبت من ناحيتي بالشكر والتثمين لكرمه، ثم أضفت أن هذه رسالة تقدير شخصية، ولا أجد فيها ما يستحق النشر. كان رده التالي بذيئا وصادما، وحتى اليوم لا أعرف أين الخطأ، ولم أهتم لذلك يوما. قليلون كانوا حقيقيين ومؤثرين، ومطابقين لكلماتهم الثمينة.
الكتابة أينما كانت تشكل تصورا ما عن صاحبها في ذهن القراء، الرأي والموقف والمعلومة والتحليل والفن والأسى والمصداقية والخفة والجاذبية والعمق والغضب والبهجة والأثر.. إلخ كلها إذا ما امتلكها الكاتب فإنها تخلق له هيئةً افتراضية في نفس من يقرأه بحماسة، والخسارة الكبيرة التي قد تلحق بأي كاتب، هي أن يخذل هو نفسه هذا التصوّر والانطباع لدى الآخرين حين الاقتراب منه والاحتكاك به. وبالطبع لا يفترض بالكاتب أن يكون نبيا ولا معلما، لكن عليه بالتأكيد أن يتحمل مسؤولية كلماته، أن يتطابق معها، لأنه كلما اتسعت المسافة بينك وبين ما تقوله كلما كنت دعيّاً، ومجرد شخصٍ يتكسّب، لا يكتب، ولو صفقت لك الإنس والعفاريت!.