في إطار السعي لإبراز الموقف الإسلامي المعاصر من القضايا التي تواجه العالم بأكمله، ومحاولة تقديم حلول عصرية للمشاكل البيئية من خلال استعراض الرؤى الإسلامية فيها، اختتم الأربعاء الماضي في العاصمة الأردنية (عمان) مؤتمر (البيئة في الإسلام) الذي ساهم في توضيح ما تضمنه الدين الإسلامي من دعوة عميقة للحفاظ على البيئة وحمايتها من عبث الإنسان وإفساده فيها، وأبرز بشكل موفق القيم الإسلامية الداعية إلى حماية البيئة والحفاظ على عناصرها لما فيه مصلحة البشرية جمعاء. المؤتمر نظمته بشكل متميز مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، وهي مؤسسة إسلامية، غير حكومية، عالمية، مستقلة، تعمل لخدمة الإسلام والإنسانية جمعاء، ومركزها (عمَّان).
التاريخ الأردني الطويل يقف عنده قلاع وحصون وأبراج ومسارح وقصور ومقامات وأضرحة يمكن للمتبصر فيها أن يستلهم منها ماضيا يفيده في حاضره وغده.
ومن أهم ذلك التاريخ بلدة (مؤتة) التي تعود بها الذاكرة إلى عام 8هـ / 629م، وبلدة (اليرموك) التي تعود بها الذاكرة إلى عام 15هـ / 636م. الأحداث أرجعتني إلى ساداتي جعفر بن أبي طالب ـ الطيار ـ، وزيد بن حارثة ـ ربيب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ، وعبدالله بن رواحة ـ الشاعر المفوه ـ، وضرار بن الأزور ـ الذي تهاب الناس اسمه ـ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ـ أمين الأمة ـ، ومعاذ بن جبل ـ عالم الأمة ـ، وشهيد الطاعون شرحبيل بن حسنة، والمفدَّى سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنهم ـ، والتخيلات رسمت أمامي سيدنا أيوب، وسيدنا شعيب، وسيدنا يوشع، وسيدنا هارون، وسيدنا يحيى، وسيدنا موسى بن عمران، وسيدنا عيسى بن مريم ـ عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ.
الأردنّ ـ بتشديد النون كما يحبون نطقها ـ بلد يقع في وسط منطقة ملغمة، خصوصا من الغرب والشرق، ومع هذا وجدت أن إخواننا الأردنيين تجانست وتمازجت ثقافاتهم بشكل جميل، العشائر العربية مع مجاميع الشركس والشيشان والأرمن، المسلم مع الدرزي والمسيحي، هويات الناس واحدة، قد يوجد بعض المعاناة في حياتهم، ولكن لا يغيب عن أذهانهم أن عون الله موجودٌ طالما هناك جدية ومسؤولية، وطالما تواجد بينهم من يقدر الجدال بالتي هي أحسن.
من الوثائق الأردنية الهامة؛ (رسالة عمَّان)، وهي رسالة وأسئلة رسمية وجهت قبل ست سنوات إلى عدد من علماء الدنيا، غايتها إعلان حقيقة الإسلام، وتنقيته مما ليس فيه، وبعد الإجابة عليها، صدر توافق إسلامي عام، ملخصه: "الاعتراف بالمذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري. وأنه لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي، وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح. كما لا يجوز تكفير أيّ فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى، وبرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوما من الدين بالضرورة. وأن ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير ممّا بينها من الاختلاف. وأن اختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وليس في الأصول، وهو رحمة". أعقب ذلك في قمة القمم الإسلامية بمكة المكرمة بلاغ (مكة) الذي أقر رسميا رسالة (عمَّان). وبالمناسبة أقول إن البلاغ المكي مرهونٌ استمرار نجاحه بإدخاله نصا وروحا في المناهج المدرسية وكذا الجامعية، وجعله جزءا من برامج تدريب الأئمة والخطباء والوعاظ والمدرسين.