نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، في 4 ديسمبر الحالي، مقالاً تحليلياً لثلاثة كتاب: "إريك إيدلمان"، زميل مميز في مركز التقديرات الاستراتيجية والميزانية وشغل منصب وكيل وزارة الدفاع في عهد إدارة جورج دبليو بوش، و"دينيس روس"، مستشار بالمعهد وشغل منصب المساعد الخاص للرئيس أوباما بين عامي 2009 و2011، و"راي تاكيه"، زميل مميز في مجلس العلاقات الخارجية؛ فيما يلي نصه:
بعد عِقد من المفاوضات السقيمة مع إيران بشأن برنامجها النووي المتنازع عليه، لا تلوح في الأفق تطورات تُبشر بالخير للولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى حول ضمان التوصل إلى اتفاق نهائي. وستستمر العجلات الدبلوماسية على هذا المسار، ومن المؤكد أنه سيتم تمديد فترة المحادثات. لكن حان الوقت للاعتراف بأن سياسة المشاركة المُتبعة كانت تستند على سلسلة من التقديرات التي - على الرغم من منطقيتها - قد تبين أنها خاطئة إلى حد كبير. وبينما تقيّم واشنطن خطواتها المقبلة، قد تشكل إعادة النظر في القرارات - التي كانت تضمن مقاربتها تجاه أحد أكثر خصومها مراوغةً - خطوة ذكية.
وقد اعتمدت إدارتان أمريكيتان - الأولى برئاسة جورج دبليو بوش والحالية برئاسة باراك أوباما - على الضغوطات المالية لضبط طموحات إيران النووية. وتقوم هذه السياسة في جوهرها على الحجة بأن الضغوطات الاقتصادية المستمرة ستغيّر من حسابات إيران، مما يؤدي في النهاية إلى تنازلها عن أكثر الجوانب إثارة للقلق من برنامجها النووي. ويعكس ذلك، المقاربة الواقعية الأميركية في أوضح أشكالها، حيث يُعتقد أن الاقتصاد يتخطى الإيديولوجيا والتاريخ في تحديد الأولويات الوطنية. ويقيناً، أن هذه السياسة حققت نجاحاً، إذ قوّت نظام العقوبات الذي أجبر إيران على تغيير أسلوبها في التفاوض. ومع ذلك، فإن العامل الغائب هو واقع إيران هي دولة ثورية نادراً ما تتخذ قرارات اقتصادية حكيمة. وفي الواقع، إن فكرة الاندماج في الاقتصاد العالمي مخيفة بالنسبة إلى حكام إيران الذين يستندون إلى حدٍ كبير على الإيديولوجيا ويحتاجون إلى عدو خارجي لتبرير حكمهم المطلق.
لقد بدت استراتيجيات واشنطن الدبلوماسية غير مطلعة بشكل مماثل على الديناميات المتغيرة للسياسة الإيرانية. فقد شكلت الانتخابات الرئاسية المزورة في عام 2009 حدثاً فاصلاً في تاريخ إيران، ذلك لأنها حوّلت إيران من حكومة فصائل إلى مجرد دكتاتورية شرق أوسطية أخرى. وقد تم تطهير الجهاز السياسي من القوى الداعية إلى الإصلاح، مما ترك الباب مفتوحاً فقط أمام الملالي ذوي التفكير المماثل. وفي حين لا يزال الكثيرون في الغرب ينظرون إلى إيران على أنها دولة فصائل متشاجرة وشخصيات متنافسة، يتكلم الإيرانيون أنفسهم عن "النظام". وهذا لا يعني أنه لا توجد خلافات بين الجهات الفاعلة الرئيسية، بل يعني أن النظام أنشأ توافقاً في الآراء حول القضايا الجوهرية مثل قمع المعارضة والحفاظ على المسار الأساسي للبرنامج النووي.
وكان الخطأ الأكثر وضوحاً في التشخيص الأميركي لإيران عندما تولى حسن روحاني الرئاسة في عام 2013، وهو رجل الدين الذي كان يشكل جزءاً من نظام حكم الملالي. فقد اعتُبر انتخابه بمثابة استنكار لسياسة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وافتراضاته الإيديولوجية، كما أن الكثيرين في واشنطن أقنعوا أنفسهم أنه من خلال الاستثمار في الرئيس روحاني يمكنهم أن يُدخلوا إيران في عصر من الاعتدال. ووفقاً لتحليلهم هذا، لو مكّنت واشنطن روحاني، سيقوم فجأة بتقديم تنازلات نووية كبيرة وحتى بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة. ولكن العامل الذي لم يتم أخذه بعين الاعتبار هو كيف توحد النظام في عام 2009، وعزز قوته وقضى على اليسار الديموقراطي. لقد سعت إدارة أوباما إلى التلاعب بالفصائل الإيرانية في نفس اللحظة التي لم يعُد فيها الانقسام إلى فصائل يشكل الخاصة الرئيسية للسياسة الإيرانية.
ولن تغيِّر إيران مقاربتها بسهولة. وإذا كان هناك أي أمل في تغيير الحسابات الإيرانية، يجب على قادتها أن يدركوا أن الثمن، وفقاً لـ "قياساتهم"، مرتفع. لذا لا يزال على أي استراتيجية قسرية أن تكون مبنيّة على عزل إيران بصورة أكبر عن الأسواق والمؤسسات المالية العالمية. وفي الوقت الذي تتراجع فيه أسعار النفط، فمن المرجح أن يثبت الاقتصاد الإيراني بشكل خاص أنه غير محصن أمام ضغط مماثل.
لكن لا يمكن أن تكون هذه هي النهاية، إذ لابد لإيران من أن تواجه ضغوطاً في العديد من الجبهات، كما ويجب على إدارة أوباما أن تركز على إصلاح العلاقات داخل الولايات المتحدة وتعيد في الوقت نفسه تأهيل تحالفاتها الممزقة في الشرق الأوسط. ومن الضروري أن ترى طهران أنه لا توجد انقسامات بين البيت الأبيض والكونجرس يمكنها استغلالها. وقد يتخذ الرئيس الأميركي خطوة حكيمة تكمن في مشاورة الكونجرس حول ماهية معايير أي اتفاق مقبول وفي ضمان إصدار قرار يسمح له باستخدام القوة إذا ما خرقت إيران التزاماتها أو سعت إلى اكتساب قدرة على تجاوز العتبة النووية.
ويتوجب على استراتيجية الضغط الجديدة أن تركز أيضاً على عزل إيران عن جوارها والحد من عملائها. وسيتطلب ذلك تدخل الولايات المتحدة في الأزمات العديدة التي تشهدها المنطقة. ولأسباب إنسانية واستراتيجية على حد سواء، لابد للولايات المتحدة من أن تستثمر في نتائج الحرب الأهلية السورية. ويمكن لمنطقة من الحظر الجوي، على الأقل في الشمال، أن تحدث فرقاً على الأصعدة الإنسانية والسياسية والعسكرية في سورية، ومن شأنها أن تبين لإيران أن ثمن دعم الديكتاتور بشار الأسد سيرتفع. وبشكل مماثل، من الضروري الضغط على الحكومة العراقية لدفعها إلى الحد من النفوذ الإيراني. ومن غير المرجح أن تتحرك بغداد في هذا الاتجاه طالما أن الحملة الأميركية ضد تنظيم "داعش" لا تزال مترددة وأن واشنطن تلمح إلى احتمال قيام تعاون هناك مع إيران. وتبقى الشراكة الأميركية الوثيقة مع إسرائيل هي جوهر نظام التحالف الأميركي في الشرق الأوسط. إن قيمة القدرة الأميركية على الردع تضعف مع النظر إلى هذه العلاقة الرئيسية كعلاقة تتخللها الخصومة.
ويكمُن الغرض من هذه الاستراتيجية الجديدة والقوية والقسرية في إظهار استعداد الولايات المتحدة للتنافس، وإظهار أن واشنطن ليست بحاجة إلى الصفقة أكثر من حاجة إيران إليها، ورفع الثمن الذي تدفعه طهران مقابل سياساتها المعترض عليها. لقد حان الوقت للضغط على الإيرانيين لدفعهم إلى اتخاذ الخيارات الصعبة التي هم غير مستعدين لاتخاذها.