اختتمت في الثامن من ديسمبر الحالي في الدوحة أعمال المؤتمر السنوي الثالث لمراكز الأبحاث العربية، الذي يُنظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" هذا العام تحت عنوان "دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية". وشهدت جلسات المؤتمر على امتداد ثلاثة أيام نقاشات مهمة أثارتها الأوراق التي قدمها باحثون وخبراء خليجيون وعرب وأجانب عن تقييم مسار مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ نشأته في عام 1982، بما حققه من إنجازات وما يواجهه من تحديات على مستوى الأوضاع الداخلية المتشابهة للدول الست (السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، وسلطنة عُمان، والبحرين)، وكذا على مستوى استكمال الاندماج والبناء المؤسسي للمجلس في أفق تحقيق الوحدة الكاملة، إضافة إلى التركيز على التحديات الإقليمية والدولية التي يواجهها التكتل الخليجي. وقد استمرت أعمال اليوم الثالث للمؤتمر في مسارين: تناول الأول "جيوبوليتيك الخليج وقضايا العلاقات الدولية"؛ وناقش الثاني "التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية". وتطرقت جلسات اليوم الأخير في المحور الأول إلى السياسات الخارجية لدول الخليج تجاه الربيع العربي، وكذا التأثيرات الإقليمية في العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي. واهتمت جلسات المحور الثاني بقضايا المرأة والمجتمع، وكذا قضايا الإصلاح في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى التطرق إلى بعض الإشكاليات الاقتصادية فيها.


تحديات الجوار والانتماء والإصلاح السياسي

أثيرت خلال جلسة خُصصت لموضوع "الجوار الإقليمي والعلاقات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي" مسألة مهمة تتعلق بتأثير التقارب الثنائي بين دول من مجلس التعاون الخليجي وقوى أخرى خارجة عنه في الانسجام بين دول المجلس فيما بينها. وتحدث الباحث العماني أحمد الإسماعيلي عن التقارب العماني الإيراني الذي يناقض التوتر القائم بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، وهو التقارب الذي يؤثر في مواقف عُمان التي عارضت أحياناً بعض الخطوات التي يسعى مجلس التعاون للقيام بها، ومن بينها مشروع إعلان الاتحاد الخليجي في حد ذاته. وتناول باحث تركي التوافق القطري التركي في عدد من المواقف التي تعارضت مع سياسات دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، وأثارت حساسيات معها عززها التنافر القائم أصلاً بين دول في مجلس التعاون وخطاب السياسة الخارجية التركية وتنافسها على أخذ زمام المبادرة في المنطقة.

وأكد المحاضرون ضرورة تعزيز تنسيق السياسة الخارجية الخليجية وجعلها تتلاءم مع طموحات كل دولة، حتى لا تبحث عن تحالفات خارج التكتل الخليجي تغرد بها خارج السرب. وتطرقت إحدى جلسات اليوم الأخير إلى قضية الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. وجرى التأكيد على أن الإصلاح السياسي يمثل أهم التحديات الداخلية التي تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى الرغم من التحولات الملحوظة باتجاه الانفتاح السياسي الداخلي، وبناء المؤسسات التشريعية، مازالت تلك التحولات تعاني التردد الحذر. وأكدت بعض المداخلات على أن دول مجلس التعاون كما تبنت، وقبلت معايير التجارة العالمية الحرة، ومتطلبات السوق المفتوح، والتنافسية، فإنها لا محالة ستصل يوماً إلى إقرار الديموقراطية وقبولها، واحترام حقوق الإنسان، لبناء قاعدة متينة للدولة والمجتمع قوامها حقوق المواطنة وإطارها الكبير تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة. وهو ما أكدته أيضاً تحليلات في جلسة خُصصت لتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع الربيع العربي؛ إذ إن تداعيات مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في تمويل تبعات الربيع العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتأثير ثورات الشعوب العربية في وعي الشعوب الخليجية سيضاعفان الأصوات الداخلية المطالبة بالإصلاح داخل دول مجلس التعاون الخليجي.

ومثلت هواجس الأمن الخليجي المرتبط بالتوترات في المحيط الإقليمي القريب، محوراً رئيساً لإحدى جلسات اليوم الثالث من المؤتمر. وجرى التركيز فيها على تزايد المخاطر في المرحلة الراهنة، خصوصاً مع بروز تنظيم "داعش" في سورية والعراق، وكذا الاضطراب الذي تشهده اليمن ويهدد بمخاطر متفاقمة.


تمكين المرأة الخليجية

خصص المؤتمر في يومه الثالث جلسة لموضوع "المرأة وقضايا المجتمع في دول مجلس التعاون الخليجي". وأكدت المحاضرات في تلك الجلسة والنقاش الذي تلاها أن المرأة الخليجية استفادت كثيراً من النمو الاقتصادي الذي انعكس إيجابياً على فرص حصولها على التعليم والخدمات الصحية وفرص العمل.

يذكر أن مؤتمر مراكز الأبحاث هو مؤتمر سنوي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنوياً ويخصص محوره كل مرة لدراسة موضوع من المواضيع التي تشغل الأجندة البحثية العربية. وقد خُصص المؤتمر في نسخته الأولى عام 2012 لدراسة موضوع "التحولات الجيوستراتيجية بعد الثورات العربية"، وخُصص مؤتمر عام 2013 لـ"قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني".