أعلم أننا نعيش في عالم جله مشاكل ومآس بشرية، فهناك حروب ومجاعات وفيضانات وإرهاب وفساد وانتهاك للإنسانية، إلا أنه وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من البؤس البشري الذي ليس بغريب على عالم يتحرك وفق عقلية الإنسان وأهوائه الشخصية والفردية؛ إلا أنه كي يمكننا أن نمضي ونعمل على تحسين تعاطينا مع هذا العبث، علينا أن نحاول النظر للنصف الممتلئ من الكأس، بدلا من أن نغرق في التركيز على جزئه الفارغ، وذلك بالحث عن الجوانب الإيجابية في حياتنا والعمل على الاستثمار فيها، وتنميتها وتفعيلها كمحرك لحياتنا وحياة من يحيطون بنا من أحباب وأهل.

أعلم كذلك أن هذه الدعوة تعد من الأماني التي يصعب علينا في ظروفنا الحالية أن تكون ممكنة، إلا أننا لا نملك من أجل تجاوز هذه الحالة إلا أن نجعل التفاؤل هو الركيزة التي تحركنا على المستوى الفردي، هذا إن كنا نريد ألا نتحول إلى جزء من المشكلة بدلا من أن نكون جزءا من الحل.

في وسائل التواصل الاجتماعي مثلا، نجد أنفسنا أننا أصبحنا ننجذب نحو الأخبار السلبية والمأساوية، حتى أصبح حديثنا جله يدور حول ما يثار فيها من أخبار ومعلومات سوداوية، جعلتنا دون دراية أفرادا يروجون للسلبية والانهزامية والبكائية، على الرغم من أن الإنسان المحايد والراغب في النهوض بنفسه ومحيطه، يمكنه أن يجد بين هذا الكم شيئا من الإيجابية في المجتمع المحيط به.

المجهودات التي يقوم بها الكثير من الشباب من أعمال تطوعية أمر يمكن الاحتفال به والعمل على الترويج له، كما أن المجهودات التي تقوم بها الكثير من الجهات الرسمية في إجراء الإصلاحات الإدارية هي كذلك أمر يمكنه أن يدعونا إلى التفاؤل والاحتفاء به، فتجربة وزير التجارة على سبيل المثال تدل على أن هناك أمورا في مجتمعنا المحلي رغم أنها لا زالت بسيطة يمكنها أن ترسم لنا بعضا من الأمل في المستقبل.

هناك الكثير من الدول التي مرت خلال مسيرتها الإصلاحية بمراحل مختلفة من التجاذبات والإخفاقات، إلا أن القاسم المشترك الذي جعلها تتجاوز مراحلها تلك هو بقاء الإنسان ـ إذ إنه المكون الرئيس للبناء ـ متماسكا وداعما ووفيا لهدف التطور والإصلاح. وحالة جلد الذات التي تسيطر على مجتمعنا اليوم تعد من أكبر المنغصات والمسببات المانعة للتطور والتقدم، فمهما حاول البعض إحداث التغيير ما لم يكن مسنودا بدعم بشري واجتماعي، فإنه مع الوقت سيصبح جهدا لا قيمة له من الناحية الواقعية، وبالتالي يصبح الفشل مصيره المحتوم.