كشف معتقلون سابقون لدى النظام السوري عالماً آخر منفصلا عن العالم الواقعي، يقبع فيه نزلاء السجون الذين يتعرضون يومياً لأساليب تعذيب مبتكرة، من الضرب المبرح والصعق بالكهرباء والتجويع أو تقديم طعام ممزوج بالقمامة، مشيرين إلى أن اليوم يمر على المعتقلين وكأنه دهر متواصل من الهم والعذاب.

ويقول الناشط محسن المصري الذي كان يعمل قبل الثورة في الهندسة المعلوماتية: إنه جرى نقله خلال سنتين بين سجون عدة، عانى فيها من الضرب والتعليق بالسقف من المعصمين لساعات وإجباره على البقاء عارياً لعدة أيام وسط برد الشتاء القارس.

وعن تجربته داخل سجون النظام يقول: "ذات يوم أخرجونا إلى الممرات لرش مبيدات للحشرات داخل الزنزانات. وبسبب رش المبيدات صارت الصراصير تخرج إلى الممرات وتقفز على وجوهنا، كنا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي وراء ظهورنا. حملوا الصراصير ووضعوها داخل ملابسنا، ثم رشوا مبيدات علينا".

المصري واحد من حوالي 200 ألف معتقل أوقفتهم السلطات منذ بدء الثورة في منتصف مارس 2011 بسبب أنشطتهم المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد. ويضيف "تم توقيفي على الحدود بينما كنت أحاول العبور إلى لبنان، وتم تسليمي إلى فرع الأمن العسكري في دمشق، حيث كان المحققون يشتمون زوجتي ويهددون باعتقالها واغتصابها. بين جولة تحقيق وأخرى كانوا يوقفونني عارياً في الخارج، ثم يدخلونني ويطرحون الأسئلة وهم ينهالون عليّ ضربا". وتابع "قضيت في الحبس سبعة أشهر، وكان المكان الذي أنام فيه ومساحته 36 متراً مربعاً يضم 50 شخصاً في البداية، ثم أصبحوا 100".

ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن حوالي 12 ألف سجين قضوا تحت التعذيب داخل هذه السجون، إضافة إلى وجود آلاف المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم.

وينقل المرصد عن معتقل سابق آخر يدعى محمد سمعان قوله: "لا شيء مما قرأته أو سمعته عن روايات الشعوب الأخرى كان بإمكانه أن يحضرني لتجربة الاعتقال الرهيبة التي مررت بها، فقد اكتشفت أن هناك عالماً آخر مرعباً في سورية".

ويستطرد سمعان بالقول "سجنت مرتين بسبب نشاطي ضد نظام الأسد، المرة الأولى لمدة تسعة أشهر، والمرة الثانية لفترة أربعة أشهر. وفي المرتين تعرضت لأسوأ أنواع التعذيب النفسي والجسدي". قال له أحد المحققين ذات مرة في فرع أمني بدمشق "نحن لا نعذبكم بسبب نشاطكم ضد النظام، أنتم لا تؤثرون علينا، إنما نعذبكم لأننا نتلذذ بتعذيب الناس". ويشير سمعان إلى أنه تعرض للصعق بالتيار الكهربائي. ثم طلب منه المحقق أن يكتب كل ما يعرفه عن نشاط المعارضين، ويتابع بالقول "لم أشعر بالرعب مرة كما شعرت في ذلك الوقت، فعل كل شيء لتحطيمي".

وعن حياته بعد الخروج من المعتقل يقول سمعان "الذكريات تسكنني وتطاردني كل يوم، عندما آكل، وعندما أنام، الوضع غاية في القبح هناك، بعض الأمور لا يمكنني حتى التكلم عنها".

ويشير سوري ناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان رافضا الكشف عن هويته إلى وجود أكثر من 100 سجن ومركز اعتقال في أنحاء البلاد، مشيراً إلى وجود شبكة من السجون السورية والفروع الأمنية ومراكز الاعتقال السرية التي يصفها بأنها "كابوس"، بينها 30 إلى 40 فرعاً أمنياً أنشئت بصورة غير قانونية، ويضيف "هناك أربعة أجهزة أمنية في سورية، وكل منها يبذل أقصى جهده ليثبت أنه أكثر عنفاً من الأجهزة الأخرى".

بدورها تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان سيما نصار "في الفروع نوعية الطعام سيئة جداً ومحدودة، والعناية الطبية معدومة، وعندما يصاب المعتقل بكسور أو جلطة مثلا، ربما ينقلونه إلى المستشفى العسكري الذي هو مثل الفرع تماما، يقوم الممرضون فيه بدور السجانين ويستخدمون الضرب والإهانات".