سعدت كثيرا بتعيين الدكتور عبدالعزيز الخضيري وزيرا للإعلام، ليس لأنه زميل حرف سابق صوته ينبض بالوطنية فقط، ولكن لأنه تتلمذ على يد خالد الفيصل، بمعنى أنه تشرب ثقافة الإنجاز، وهذا هو الحل السحري للمسؤول الحكومي الذي يريد أن ينجز.

سميت الوزارة بالإعلام بلا ثقافة عمدا، لأن ما تقدمه الوزارة حاليا هو الإعلام فقط، أما الشأن الثقافي فلا يتعدى معرض الكتاب وهو لا يتجاوز أسبوعا في السنة ثقافة، أما ما عدا ذلك فلا حراك في الثقافة، وهذا هو التحدي الأكبر أمام معاليه لإيقاف مهاترات الأندية الأدبية والرفع من شأنها أو إلغائها وإيجاد حل سحري لجمعية الثقافة والفنون لإيجاد برامج ثقافية حقيقية لها بدلا من دورها الشكلي الحالي.

وزراء الإعلام السعوديون السابقون أدوا دورهم بأمانة ووطنية، ولكن ظل ذلك الدور في إطار الإعلام التقليدي الذي يكتفي بنشرة قرارات مجلس الوزراء أسبوعيا للصحافة وما شاكلها من بروتوكولات حكومية أخرى، وتفاوتت علاقتهم مع الإعلاميين، فمنهم من كان قريبا منهم ومتواضعا كمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجه وآخرون خلاف ذلك، لهذا كان للدكتور خوجه حظوة كبيرة لدى المثقفين والإعلاميين ولكن دون منجز إعلامي حقيقي لعدم وجود خلفية إعلامية لديه في مسيرته وهو الذي كان شاعرا مرهفا ودبلوماسيا طوال تاريخه.

الآن الدكتور الخضيري ورث تركة ثقيلة من قنوات سعودية كثيرة متواضعة متشابهة مليئة بالمتطفلين على الإعلام، محدودة الإمكانات المادية والكوادر المؤهلة، ولا أدري ما الذي حدا بالوزير السابق لفتحها أصلا؟

الإعلام ليس "طقطقة" كل من وجد لديه/لديها وقت فراغ استضاف ضيفا لا يقول شيئا، أو أعد برنامجا لا يحوي أي اجتهاد أيضا، فمن لا يملك الموهبة ليمتع الناس "يقضب الباب".

لا يهم أن تكون لديك قناة واحدة أو أربع، بالنسبة للإعلام الوطني قناة واحدة جيدة تكفي.

مطلوب خلخلة هذه القنوات الأولى، الإخبارية، الثقافية، الاقتصادية وجمعها في قناة واحدة وتزويدها بالبرامج الثقافية والاقتصادية القوية ودعمها بالإمكانات المادية (بعد إقناع وزارة المالية) والكوادر المؤهلة التي تستطيع أن تقدم عملا يليق بالإعلام السعودي.

مسألة نشرات الأخبار بالقطعة، وكل يوم مذيع (فشيلة) للإعلام السعودي، التلفزيون الذي أنجب ماجد الشبل وغالب كامل يستطيع أن يوجد مثلهما متى ما وجد الاهتمام والحرص والرغبة الجادة والاختيار المناسب للمواهب والكفاءات وتم دعمهم بالمادة والتدريب الإعلامي المستمر، لا أن يكون التلفزيون السعودي مفرخة لـmbc والقنوات الأخرى فيذهب الجيدون ويبقى فاقدو الموهبة.

أي قناة تحمل الشعار السعودي تعنينا، تمثلنا، ولا نرضى أن تكون بمستوى إعلامي "مشي حالك". الآن في هذه القنوات صفوف من المبتدئين يتبدلون كل ليلة، يقرأون الأخبار، يقدمون البرامج، يستضيفون من يريدون، أسماء معروفة وأسماء غير معروفة، وتشاهد برامج عديدة لا تدري من الضيف ومن المذيع. كل هذا الهدر والتشويه للإعلام السعودي يزعجنا ويقلقنا.

أعيدوا لنا قناة وحيدة ترفع اسمنا عاليا، دعونا نتغنى بأسماء مذيعينا كما تغنينا بماجد وغالب، دعونا نتغنى ببرامجنا، وهذا ليس بمستحيل عـلى رجل من رجال ثقافة الإنجاز.

صناعة الإعلام الجيد ليست مستحيلة ولكنها صعبة في ظل غياب الصناعة الإعلامية الجيدة في العالم العربي إجمالا، الذي يعتمد على مواهب إذا لم تصقل بالاهتمام والتدريب ذبلت سريعا.

لماذا لا يوجد للوزارة معهد تدريب إعلامي على مستوى عال ويدعم بخبرات عربية وعالمية، معهد لتخريج قارئي أخبار، مصورين، مخرجين، مهندسي صوت ومونتاج، كل العناصر الفنية التي تحتاجها صناعة التلفزيون الجيدة. لا أعتقد أن في جامعاتنا كليات إعلام تقدم هذه التخصصات الضرورية لخلق صناعة تلفزيونية ناجحة تنافس هذا الفضاء المحموم الذي نجح فيه القليل، قنوات عربية كثيرة لدول غنية ولكنها ذات نجاح محدود في الإطار المقبول يفوق قنواتنا الحالية بمراحل.

أملنا كبير فيكم معالي الوزير لتغيير هـذه الصورة النمطية للقنوات التلفزيونية السعودية، سننتظر أربع سنوات قـادمة، وفقكم الله.