في حديث محافظ مؤسسة النقد الدكتور محمد الجاسر حول تقرير المؤسسة السنوي، استحوذ معدل التضخم المرتفع على أغلب الاهتمام من وسائل الإعلام والمواطنين. وبالأخص ربط المحافظ لأسباب هذا التضخم بارتفاع تكلفة الإيجارات، والذي توقع أن ينعكس اتجاهه قريبا مع زيادة المعروض. حديث المحافظ حول تراجع الإيجارات كان يتمحور حول المساحات التجارية، خصوصا في مدينة الرياض، والتي يتوقع أن يتضاعف المعروض منها مع انتهاء عدد من مشاريع الأبراج التجارية الجارية حاليا. أما بالنسبة للإيجارات السكنية، فالوضع يبقى كما هو عليه، فالطلب يتزايد بشكل متسارع، والعرض غير قادر على اللحاق بهذا الطلب. ردة فعل وسائل الإعلام التي حملت تصريح الجاسر أكثر من واقعه تدل على تأزم السوق العقارية السكنية، وانتظارها، بنفاد صبر، لأي تحرك أو تصريح حكومي لتخفيف وطأة الإيجارات على المواطنين.

أحد الحلول التي يمكن أن تساهم في السيطرة على هذه الأزمة، وعلى التضخم تباعا، يكمن في تشكيل هيئة حكومية تحدد الإيجارات. تعنى هذه الهيئة بتقييم المساكن المعروضة للإيجار وتحديد أسعارها بناء على تصنيف يعتمد على المساحات والموقع وجودة المباني. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيئة تفرض سقفا أعلى للزيادات السنوية في أسعار الإيجارات. عمل هذه الهيئة سيساهم في ترجيح كفة ميزان القوة نحو المستأجر على حساب ملاك العقارات. بالإضافة إلى توفير قاعدة بيانات ومعلومات شاملة عن قطاع العقار ما يتيح سيطرة أكبر للاقتصاد الكلي على موازين هذه السوق الحساسة.

أهم الانتقادات التي توجه لأنظمة السيطرة على أسعار الإيجارات، هو أنها تحد من تدفق الاستثمارات الجديدة إلى القطاع العقاري. بالنسبة للسعودية، فإن القنوات الاستثمارية محدودة جدا. ولذلك فإن تبعات تطبيق النظام السلبية لن توازي إيجابياته. عدا أنه من الممكن أن يطبق النظام على المباني القديمة التي يتعدى عمرها الخمس سنوات. بهذا الشكل يستمر تدفق الاستثمارات لإنشاء مساكن جديدة بغرض الإيجار، والتي سيبنيها ملاكها واضعين في الحسبان أنها ستخضع لاحقا للتصنيف الذي سيحدد العائد على استثمارهم. بهذا الشكل، ترتفع جودة المباني، ويزداد اهتمام الملاك بصيانتها.

الحماية التي يكفلها هذا النظام للمستأجر ستخفف من الضغوط والتكاليف الاقتصادية التي تحيط به. إحساس المستأجر بالحماية سيمتد إلى العقار الذي يستأجره، ويساهم أكثر في الحفاظ عليه وصيانته. ثم أنها ستخفض من حركة تنقلات المستأجرين والتكاليف المصاحبة لهذه الحركة التي قد لا تكون ضرورية، إنما تسببت فيها الزيادات المتوالية التي يفرضها ملاك العقارات متحججين بوضع السوق. مع ارتفاع عدد المستأجرين يوما بعد يوم، فإننا بتنا بحاجة ماسة إلى نظام صارم يحمي جماهير المستأجرين ودخولهم المحدودة من جشع الملاك.