الهجوم الأخير الذي تعرضت له المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو"، التي اشتهرت بنشر رسومات مسيئة للإسلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أوقعني في موقف صعب. فمن جانب لا يمكن لي أن أدعم رسومات المجلة من منطلق حرية الرأي، وأن أتظاهر بأن حرية الرأي ليس لها حدود مهنية أو أخلاقية، وفي ذات الوقت أجد أنه من الواجب على كل إنسان مؤمن بحق الحياة وحق الاختلاف أن يرفض أي تصرف إجرامي كالذي حدث، وانطلق من مبدأ "إن لم تستطع أن تغلبهم بالكلمة والرأي فاقتلهم عن بكرة أبيهم"!.
الحدث الإرهابي هذا مثله مثل الكثير من الأحداث التي وقعت في الغرب، أضرت بالعالم الإسلامي أكثر من أنها انتقمت له وقوت شوكته، فمجددا أصبحنا كمسلمين السبب في انتشار الإجرام والقتل، وديننا أصبح مجددا محل تحليل انتقائي وهجوم عدائي، وخصومنا السياسيون أصبحوا يبنون على المأساة انتصاراتهم الإعلامية، فما قام به اليهود من تحويل الحادثة إلى بكائية مزدوجة أقحمت العداء للسامية مع الهجوم على حرية الرأي لهو خير دليل على الكيفية التي تحدثها رعونة المتأسلم، وتحول ما يتصور أنه خدمة للدين إلى خدمة للعدو.
الهجوم الذي سيتعرض له الإسلام في أوروبا بعد هذه الحادثة لن تحميه الكلمات الدبلوماسية التي أطلقتها الشخصيات السياسية الغربية التي تحدثت أن هؤلاء الإرهابيين لا يمثلون الإسلام، فمثل هذه العبارات سبق أن قالها الرئيس الأميركي بوش، إلا أنها لم تمنعه من تحويل المسلمين في أعين الأجهزة الأمنية إلى أعداء محتملين في كل بقاع الأرض.
لذا علينا، ونظرا لتكرار استخدام الإسلام كذريعة لأعمال إرهابية، أن نحمي الإسلام من التمييز الممنهج وذلك عبر تأسيس لمؤسسة دولية تحمي المسلمين، على غرار ما قام به اليهود بعد أحداث الهولوكوست، فتصاريح الشجب الإعلامية التي تصدرها الدول الإسلامية لا ولن تحمي المواطنين، ولن تمنع تكرار تجاوزات مجلة "شارلي إيبدو" وغيرها على الإسلام وعلى رموزه ومبادئه.
على الدول الإسلامية أن تفكر بشكل ممنهج وأكثر واقعية وحنكة في الدفاع عن الإسلام، وذلك بتجريم كل من يسيء إليه لا من خلال قتله والتنكيل به كما فعل هؤلاء المجرمون، بل عبر تأسيس لخطة هجوم إعلامية وقانونية وسياسية عالمية، تستخدم لغة التأثير ولوي الأذرع وتحقيق المصالح وتبادلها.