في حالات كثيرة، لم يكن الجدل العلمي والنقاش الموضوعي حول أي قضية فكرية خلافية، سببا في القطيعة الشخصية أو "العداء" بين المتجادلين، بل إن الوقائع اليومية تثبت أن بعض الأشخاص الذين وصلت بينهم الاختلافات في وجهات النظر إلى "خلافات"، عادوا للاعتذار من بعضهم البعض، وأصبحوا في تواصل مستمر، حتى وإن بقيت أفكارهم متنافرة. حيث يصرح الكثير منهم ومن متابعيهم أن حدة الجدل، أعطت نتائج إيجابية في فهم أعمق للقضية محل النقاش، وشجعهما ومن يتابع جدلهما على البحث والتقصي والقراءة المتعمقة. وهذا جانب إيجابي، أثرى البشرية كثيرا في مختلف العلوم والآداب والفكر. إذن ففي خصومة هذه النماذج الجدلية، جوانب كثيرة مفيدة على المستوى الفكري. لكن المشكلة في فئة تستغل المواقف والخلافات والاختلافات على جميع المستويات العملية أو الثقافية، لتقدم نفسها على أنها صاحبة موقف فكري واجتماعي مهم، وأن همها المصلحة العامة للمجتمع، فتبدأ في المزايدة على أحد الطرفين، وخصوصا إذا كان أضعف من الطرف الآخر. فهي مع القوي دائما الذي يمكن أن يحقق أهدافها في القفز إلى الصفوف الأمامية، واحتلال مواقع الآخرين.

هذه الفئة لا تملك ـ عادة ـ مبادئا أو قيما أخلاقية راسخة، بل قيمها هي المصلحة الشخصية في المقام الأول، فليس لديها أي حرج في التلون وتغيير المواقف والمتاجرة بالدين الإسلامي والأخلاق، وحتى نسف الأفكار، متى ما تغيرت الظروف أو المواقف المحيطة بها. ولذلك هي ـ في اعتقادي ـ أخطر ما ينخر الوسطين الفكري والاجتماعي في الكثير من الدول العربية ومنها بلادنا.

ولأن الإعلام بجميع أشكاله الحديثة أو التقليدية هو ميدانها الأول في الترويج ولفت النظر. فإن من واجب هذا الإعلام، وخصوصا الذي يمكن التحكم فيما ينشر فيه، الحذر من كثرة الترويج لهذه النماذج "الوصولية" لأنها في النهاية لن تقدم شيئا مهما سوى تحقيق مصالح وطموحات خاصة، حتى وإن كانت تتعارض مع المصلحة العليا للأوطان والمجتمعات.

المؤسف حقا، أنك تجد هؤلاء "الوصوليون" في كل مكان، وفي كل مناسبة فدعواتهم محجوزة دائما، بل ومؤكدة. ولن يغيبوا أبدا، إلا أن يكونوا في مكان آخر يجلب لهم أضواء إعلامية أو علاقات "كبيرة" أفضل.

أما المفاجأة الأكبر، فهي أنهم قد يحققوا مرادهم بسهولة، على الرغم من معرفة الجميع بواقع حالهم.

هي ـ فعلا ـ دنيا عجيبة!!

[email protected]