ثمة أحداث وقصص تمر أمام أعيننا تستحق أن نتأملها ونتحدث عنها، ومنها ثلاثة مواقف أود أن أبدأ بها مقالي، الأول هو عن:
اهتمام الإعلام العالمي بالأعمال الإرهابية التي يُتّهم فيها مسلم "كل يوم يحدث عمل إرهابي، بل كل لحظة"، وتقدم القنوات كـ"السي سي إن" برامج تناقش فيها ذلك، وتأتي بطرف مسلم يتحدث في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه القناة الأميركية تأتي بشاب رائع ومميز هو رضا أصلان أميركي من أصول إيرانية، مناقش ذكي يرمي الكرة في ملعب هؤلاء المدعين؛ فلا يستطيعون إعادتها سوى بتقليب رؤوسهم والنظر إلى بعضهم بعضا، في أحد اللقاءات سأل رضا: هل تتصورون عالمكم لو أن الإسلام يدعو للإرهاب، ماذا سيفعل مليار ونصف مسلم استجابةً له؟
كانت الردود على الحوار مشجعة؛ لأن الناس تداولوا سؤال رضا بعقلانية شديدة بيّنت كم هو من السخف تصديق ما يحدث وتسجيله كإدانة للإسلام.
الموقف الثاني تعرضت له أنا شخصياً؛ فذات يوم عندما كنا نصحح في اختبار مادة الحديث للصف الثالث الثانوي، وملأت معلمة المادة الاختبار بأسئلة عن حكم كشف الوجه تطلب من الطالبات الرد على أدلة المبيحين، ودعوني أكن صادقة؛ لم تستطع الطالبات في معظمهن الرد، لكن الذي استوقفني إجابة طالبة بأن كشف الوجه من دواعي الزنا، فرفضت إعطاءها درجة، فغضبت المعلمة وأشارت بقلمها في وجهي بغضب محاولة إجباري على إعطائها درجة، رغم عدم وجود مثل هذه الإجابة في النموذج، فرددت عليها بأن ذلك قذف لنساء المسلمين في العالم الإسلامي، وأصررت على رأيي.
الموقف الثالث كان في فيسبوك؛ حيث بدأ الكتاب والمثقفون العرب بالذات مناقشة ما حدث في باريس، وبدأ كثيرون صب التهمة على الإسلام وذكر تاريخه الدموي على حد تعبيرهم.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، ويقول: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ}.
وبالنسبة لي فهاتان الآيتان توضحان أن الله عز وجل لم يجبر أحداً على أن يكون مسلماً، وأي نص يخالفه من السنة سنجد ما يخالفه تطبيقاً عملياً منه صلى الله عليه وسلم، أولها أنه لم يقتل اليهود أو يجبرهم على دخول الإسلام، بل تركهم يعيشون بجواره، وعندما ظلموا عاقب من عاقب وأخرج من أخرج، وترك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف النصارى واليهود في الشام، وترك الفاتحون ملايين الهندوس في الهند التي حكمناها مئات السنين.
لقد مضت جيوش المسلمين قديما - كما مضت جيوش الإسكندر المقدوني - التي لا يعيبها المؤرخون لتحرير العباد ومنحهم فرصة فهم الإسلام، وهذه لم تكن لتتحقق في ظل أنظمة طاغية ترفض الإسلام شكلاً وموضوعاً، ووجود هؤلاء البشر من هندوس ووثنيين ونصارى ويهود في العالم الإسلامي أكبر دليل على ذلك.
ألم يُفنِ المهاجرون الأميركيون الأوائل القادمون من عالم متحضر الهنود الحمر؟ لم لا نجد مثل الحديث عن دموية الإسلام عنهم؟ ألم تستغل بريطانيا العظمى صاحبة فرانس بيكون وتشارلز ديكنز الهنود وتسلب خيرات الهند وتجعله وقود الثورة الصناعية في إنجلترا، ثم تلتفت إلى جنوب أفريقيا فتجعل أهله عبيداً من الدرجة الثانية، وتشغلهم لاستخراج خيراته من المناجم وتحرمهم من حقهم في الإنسانية؟ ماذا فعلت فرنسا الثورة والمساواة في كل بلد احتلته وأي مدن بنوا؟ هل فعل الإسلام ذلك أم أنشأ في كل بلد فتحها المدن العامرة والمكتبات العظيمة واستوزر أهل البلد، بل جعل بعضهم قائداً على جيوشه كطارق بن زياد مثلاً؟!
نعم هناك من يتطرف في الإسلام، وهذا حدث مع كل فكر تداوله البشر أو اعتنقوه، فهم يجدون مبرراً ليهربوا ممّا أثبته الفكر إلى ما تصوره أذهانهم عنه، فهل ندين الإسلام بذلك؟
الإسلام الحقيقي موجود، وليس ذنبه أنك لم تره، هناك آلاف الأطباء المسلمين حول العالم تمنح لمسة الرحمة من أيديهم الحياة للبشر بإذن الله، وهناك ملايين المهندسين المسلمين يبنون في الغرب والشرق، وملايين طلاب العلم وأساتذته في جامعات العالم، فكيف لا يكون هذا العالم منصفاً مع الإسلام؟