لست داعشية والغالبية تراني، وفق تصنيفات هذا العصر الصهيوإيراني بامتياز، "علوية نصيرية"، ولو أني وقعت في قبضة "داعش" لأفتى بذبحي وطبخ رأسي على مائدة العشاء لأنني برأيه "مرتدة عن الإسلام"، إلا أن بشرتي بيضاء سورية وجسدي شرقي ممتلئ وشعري عربي أسود، وهذا وحده كفيل بجعل بعض الإخوة الفرنسيين يرتجفون هلعا عند رؤيتي، فنحن آكلو أكباد، همجيون، متطرفون، ونبشر بهجمات تفجيرية، حتى لو كنا سافرات ونضع ريشة ماري انطوانيت الشهيرة فوق رؤوسنا، لأننا ببساطة عرب!

نعم، نحن عرب، عرب قبل أن نكون مسلمين أو مسيحيين، سنة أو شيعة، سوريين أو سعوديين أو عراقيين أو مصريين أو مغاربة، ولا يمكننا الهروب من هذا القدر، بل لا يجوز أخلاقيا، لأنه سبيل النجاة الوحيد من كل هذه الآفات الفرقوية.

قد يبدو كلامي تنظيريا وطوباويا للبعض في حضرة كل هذه الدماء المسفوحة واللهجات المذهبية والطائفية والقطرية السائدة، والنكوص إلى ما قبل مفاهيم المواطنة، فما بالكم بالعروبة؟

تجربتي في فرنسا علمتني الكثير، تماما كما علمتني تجارب الشعوب العربية، وبالأخص السورية، المخضبة بالدم سعيا إلى الديموقراطية، فربيعنا العربي المأمول، يمر في الوقت الراهن بخريف من الفتنة، يهدد باندثار هذه الأمة نهائيا.. وهو تماما ما تريده "الجارة" إسرائيل، وما يشتهيه أعداء الإسلام المعتدل الحقيقي، وبلا منازع "الرؤساء" العرب المستبدون أعداء الحرية.

هنا في فرنسا لا أحد يسألني عن هويتي أو ديني أو معتقدي الأيديولوجي، فلون شعري وحده مفتاح عبوري إلى عالم الإرهاب، بعبع الغرب، ومغذي الإسلاموفوبيا، ولو أني شقراء ورشيقة لتمكنت، لا سمح الله، من وضع قنبلة انشطارية في الإليزيه، حتى لو كنت زوجة البغدادي نفسه.

قبل أيام تسربت آلاف النسخ المقرصنة عبر الإنترنت من كتاب جديد للروائي الفرنسي "ميشيل ويلبيك" قبل صدوره في المكتبات، وينبئ كتاب الخيال السياسي المعنون بـ"خضوع"، في إحالة إلى الإسلام أي "الخضوع لله"، ينبئ بوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم بفرنسا سنة 2022.

تبدأ الرواية مع انتهاء الولاية الثانية للرئيس الحالي "فرنسوا هولاند" سنة 2022 حيث نرى الشارع الفرنسي ملتهبا في خضم التجاذبات السياسية للفوز في الانتخابات. وفيما يوشك حزب الجبهة الوطنية على تولي السلطة يهزم حزب الإخوان المسلمين، المتخيل من قبل الكاتب، حزب "مارين لوبين"، وجبهتها اليمينية المتطرفة ويعين رئيس الدولة الجديد محمد بن عباس، لتقلب فرنسا رأسا على عقب وتتحول "جامعة السوربون باريس 3"، إلى: "الجامعة الإسلامية باريس- السوربون"، وهنا تظهر الكاتبات محجبات. ويضطر بعض الأساتذة إلى اعتناق الإسلام حفاظا على مناصبهم فيما يستقيل آخرون احتجاجا.

ما يشغلني، ليس موضوع الرواية بحد ذاته، فهو فنتازيا سياسية بامتياز، ومن الطبيعي أن تحدث جدلا ما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الشهرة الواسعة لـ"ميشيل ويلبيك" الروائي الاستفزازي بامتياز، الفائز بجائزة "غونكور" والمنسوب إليه قول "الإسلام أسوأ دين" عام 2001 قبيل إصدار روايته "المنصة"، رغم نفيه لذلك.

المثير هو تسريب النسخ المقرصنة قبل صدور الكتاب والإقبال عليها بأرقام خرافية اعتبرتها الصحف الفرنسية سابقة في تاريخ دور النشر الفرنسية، فخلال أيام فقط سجلت تحميلات لأكثر من 150 ألف نسخة إلكترونية والرقم في تصاعد.

ميشيل ويلبيك رجل حذق وذكي شرير، استشف بخبث بواطن الفرنسيين والغربيين واشتغل بمكيافيلية روائية ونفسية على مخاوفهم بل هلعهم من تمدد الإسلام.. والعرب في بلادهم، مستغلا تراجع شعبية اليسار الفرنسي وزيادتها لصالح اليمين المتطرف الكاره للغرباء، إضافة إلى الحملة العالمية ضد الإرهاب، حملة عمياء تفقد التمييز في كثير من الأحيان بين لحية جيفارا ولحية البغدادي ولحية "مسلم معتدل" مقاتل في الجيش السوري الحر لا يمتلك شفرات حلاقة.

لا أنكر أن فكرة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم تثير القلق، حتى بالنسبة لنا نحن العرب، خوفا من استئثارهم بالسلطة وفشلهم في تفضيل المواطنة والديموقراطية والحريات على الحزبية الضيقة، إلا إذا استثنينا التجربة التركية طبعا، إلا أن الكاتب الذي يعشق الصيد في المياه العكرة قال "كلمة حق أريد منها باطل"، فبفوز الإخوان المسلمين في الرئاسة حسب نبوءاته إحالة إلى "الإسلام" و"العرب" بشكل عام.

الفرنسي، كما الغرب عموما، لا يميز بين المدارس والتيارات والأحزاب الإسلامية، معتدلة أو متشددة، كلمة "إسلام" وحدها كفيلة بجعل الرواية تحقق أعلى أرقام المبيعات. والإسلام يعني "العرب" حكما، لأن "قرآننا الكريم" جاء بلغة الضاد، قرآن عربي.

وقبل أيام، في خطابها بمناسبة عيد رأس السنة، توجهت المستشارة أنجيلا ميركل إلى الألمان محذرة إياهم من الوقوع في شرك بعض الأوساط المعادية للاجئين وللإسلام في البلاد، في ظل تنامي تأثير حركة "بيغيدا" (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) المعادية للأجانب وللإسلام خصوصاً الذين وصلوا إلى ألمانيا من دول "الربيع العربي" أو الشرق الأوسط، والأمثلة كثيرة عن تنامي العداء للعرب والإسلام في الغرب.

"ميشيل ويلبيك" يعزف على الوتر الحساس والمشدود للشعوب الغربية الخائفة من "الظلام"، أميركا وإيران وإسرائيل وبعض حكام العرب المستبدين الذين يلعبون على لحية البغدادي لزيادة نسبة خوف الشعوب العربية والغربية معا.

بقي أن نختار نحن، الشعوب العربية، ملعبنا، دون أن نغير لون شعرنا الأسود.. فالسهم خرج من القوس.