في حديث ماتع أجرته القناة الثقافية السعودية مع رسام الكاريكاتير الصحفي المثقف عبدالله صايل حول أبعاد الفن العريق وأثره على المتلقي ومشاركته في إبراز القضايا المجتمعية في إطار من الفكاهة حينا والسخرية حينا آخر بل والتندر على الذات ساعة لا يكون في ذهن الرسام موضوع محدد يمكن تناوله. في ذلكم الحديث تطرق المبدع إلى أن هموم الناس وأوجاعهم مصدر مهم يغذي فن "الكاريكاتير" وأنه بدون ذلك يصبح فعلا فارغا من المعنى والدلالة، وهذا ما يتعارض مع "الفن" في أسسه ومبادئه التي يرتكز عليها.

وبنظرة أشمل فإن الفنون جميعها تتأسس في أطيافها ومجالاتها على الإنسان حراكه وتفاعله عنفوانه أو انكساره، تقدمه أو تراجعه، وما يحيط به من جور أو حيف أو قهر مما يجعله يرفع عقيرته شاكيا صارخا فلا يلبث المبدع المرهف إلا أن يلتقط تلكم الصرخات ويجمع "حبات" الدمع فيصيرها لوحة فنية معبرة أو رواية نافذة أو قصيدة صادحة، أو مسرحا يتحرك عليه الواقع الموازي بصدق وألم كافيين ليوصلا صدى الصرخات والأنين.

وهل يعني الأمر أن يسعد المبدع بهموم الناس التي تمثل وقوده وعافية نتاجه والتماع أفكاره؟ سؤال جدلي يفتح ثغرة التأويل والهروب من الإجابة المخاتلة أحيانا، فلو عاش الناس سعادة مستديمة ورغُد عيشهم وتلاشت أوجاعهم فأنى يكون للمبدعين أن يقتنصوا ملامح أفكارهم وهم لا يرونها ترتسم على وجوه الآخرين؟

إن اطمئنان المبدع إلى صيرورة الحياة وتقلباتها وتنامي عوالمها هو من يجعله دائما في حالة ترقب وتأهب وتوجس تفضي ـ ولاشك ـ إلى أن يتآزر المشهد وينكتب صادقا ومقنعا. إذًا هو الألم من يجعلنا نخرج من مضمار النمطية ويحيلنا فجأة إلى مدارات أخرى نسير فيها تتغشانا الحكمة أو الرعونة أو الاحتجاج وأحيانا الشماتة والضحك على حالنا، المهم أننا لسنا نحن حين يلفنا الوجع وأننا بهذه الصورة الأخيرة التي نكون عليها نحضر إلى ذهنية المبدع فيشكّل ألمنا ويقتات عليه قلمه وريشته، صوته وقيثارته، حداؤه وبكاؤه، انبهاره وجذله.

كتب محفوظ من الحارة وإليها، عايش وتعايش، بكى مع المأزوم، وغوى واسترشد، وأشبع المكان حضورا وبهجة وإن كان ينتحب حين يجن الليل في زوايا خان الخليلي أو على هضبة الهرم، هنا يجدر بالمبدع أن ينتصر لذاته معلنا في شجاعة أنه قناة مرّ منها الألم ليستحيل خلاصا للناس ونورا.