يجب أن يطرح موضوع المخيمات بهدوء وموضوعية. فقد ارتفعت الأصوات مطالبة بإلغاء المخيمات، متجاهلة أن المخيمات ثقافة إنسانية قبل أن تتشوه على أيدي البعض، مما بينه أصحاب التجارب السابقة عنها، فعندما يطرح موضوع المخيمات، يلاحظ غالباً أن الموضوع يأخذ منحى متشنجاً، يفوت على جميع الأطراف النظرة الموضوعية المحايدة للخروج بحلول تتناسب والإصلاحات الجادة التي تقوم بها الدولة في هذا العهد الزاهر.
ولهذا فالمخيمات كمفردة تستجلب تجربة شبابية جميلة وجذابة تستدمج الشباب في بوتقة وطن واحد حباً وانتماءً، شباب يستطيع التفاعل مع العالم نبلاً وإنسانية، عبر مخيمات دائمة ومنظمة ومجدولة هنا وهناك تقام في كل منطقة، بل وفي كل دولة، بعيداً عن أي إنتاج أيديولوجي ينهك عقل النشء فيما لا طائل من ورائه، فالمخيمات بعيداً عن الصراعات الأيديولوجية؛ فكرة مطلوبة على المستوى الإنساني، وليست حكراً علينا، بل العالم أجمع يهتم بها، فمن خلالها تتم تنشئة الشباب على الروح الوطنية عبر ما يعرف بمصطلح (الكشافة)، والتي تهتم وتركز على الجانب التربوي التطوعي للعمل الاجتماعي بطابعه المدني، وعليه فلو تم تأمل واقع المخيمات الحالي المفرط في (شعبويته) وقلة احترافيته فلن نجد سوى الاحتراف في تمرير أجندات أتعبت العقلاء تشذيباً وتهذيباً بلا فائدة، (فالشوك عروقه طويلة في الأرض)، مخيمات لا تقدم للشباب أي تفاعل حقيقي مع معطيات الدولة الحديثة وتفاعلها مع الحضارة الإنسانية، ولا توجد فيها أي منهجية تمنح المنتسب إليها روابط مع العالم من حوله، سوى تراتبية (المنهج الخفي بين الشيخ والمريد) لمزيد من الانغلاق على الذات والنظر للعالم بعين الاستعداء.
فلو تم النظر في الجهد الذي تقدمه الشؤون الإسلامية في اختصاص ليس أصيلاً لها، ولا يمثلها، عبر المخيمات التي تقيمها في كل مدينة لاستقطاب فئة محددة من الشباب، لعرفنا الظلم والإهمال والتجاهل الحقيقي الذي ألحقناه بالتجربة (الكشفية)، وفق معايير تتناسب وما نرجوه لأبنائنا من تفاعل وعطاء مع العالم أجمع دون انغلاق أو ذوبان، مع استثمار كامل التجربة -التي أهملناها طويلاً ولم نلتفت لها كما يجب- لجمعية الكشافة العربية السعودية والاستفادة من معايير تجربة الجمعية الطويلة منذ إنشائها عام 1381هـ، بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم 22 وتاريخ 9 /4 /1381هـ، فللجمعية تجربتها التي تثبت تركيزها على جانب رعاية الشباب بدءا بتقاليد رفع العلم والنشيد الوطني ثم تنويع المهارات نحو العمل المدني الاجتماعي لدى النشء وفق المعايير الوطنية بعيداً عن التجاذبات السياسية أو الفكرية التي وقعت فيها المخيمات قديماً، خصوصاً من خلال المسمى غير المقبول (مخيم دعوي!) في بلد نسبة المسلمين فيه مئة بالمئة فمن يدعو من؟! وخصوصاً أن منابر المساجد كل يوم جمعة بالإضافة إلى حلقات ودروس العلم في المساجد؛ فيها الكفاية لكل ذي فقه وفهم، ولهذا فالتعاون كما ذكرت بين جمعية الكشافة العربية السعودية ووزارة التربية والتعليم وكل الوزارات الأخرى المعنية، ورعاية الشباب، بالإضافة إلى وزارة الثقافة ممثلة بجمعيات الثقافة والفنون، والنوادي الأدبية، كل هذا سيعطي المخيمات بعداً تنظيمياً يحمل مهنية أعلى في رعاية الشباب، وفق معايير وطنية عالية أكثر ثراء وتنوعاً ووصولاً لشرائح اجتماعية أوسع، تتناسب وما تتوجه إليه الدولة في سياستها التعبوية لأبناء هذا الوطن، بعيداً عن معاناتنا القديمة مع المخيمات التي استفاض كثير من المخلصين بمختلف توجهاتهم في إيضاح ما ظهر منها وما بطن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل ما يطرح لفئة الشباب ويحمل دلالة المخيم في أي منطقة من بلادنا، يجب أن يكون من مهام جمعية الكشافة، كاختصاص أصيل، وكل وزارة تعتقد أن اختصاصها الأصيل الاهتمام بالمخيمات كثقافة تهتم بفئة الشباب خصوصاً ولها تقاليدها العريقة على مستوى العالم، فإنها تعمل على إيجاد وظائف لبعض منسوبيها بشكل غير مباشر على غير طائل، ولو انتقل الطموحون المتحمسون للعمل في المخيمات من وزاراتهم المتخصصة في شؤون أخرى إلى جمعية الكشافة مع التسليم بأدبياتها الإنسانية؛ لكان خيراً من تشتيت أعمال وزاراتهم في ما لا يعنيها أصالة، والعمل على تحويل النفقات المعتمدة في هذه الوزارات للمخيمات إلى حساب جمعية الكشافة السعودية لنرى الأثر على المدى القريب قبل البعيد، مع إبقاء أواصر التعاون بين الجمعية وكل وزارات الدولة، فالشباب هم نواة هذه الدولة وهدفها ومستقبلها ولأجلهم وبهم يكون هذا الوطن.