في السعودية، خسرنا كاتبة رائعة وكسبنا مذيعة مبتدئة، ترفع صوتها وتهز يديها على طريقة المدرسات حينما يغضبن من طلبتهن.

في الصحافة تستطيع أن ترفع صوتك فلا يسمعك أحد، في التلفزيون حينما ترفع صوتك يصبح نشازا ومزعجا ومنفرا، وينبئ عن عجز في توصيل فكرة، وبدائية في العمل التلفزيوني.

بعد أن فقدت الصحافة الورقية بريقها انتقل الكتاب السعوديون إلى التلفزيون، بدرية كانت محظوظة لحصولها على فرصة ذهبية في القناة الأجمل والأحلى والأكثر إعلانات وجماهير، لكن القناة المحظوظة لا تكترث لمذيعيها السعوديين فتقدمهم لمشاهديها ليس بالطريقة التي تقدم بها مذيعيها ومقدمي برامجها العرب، فأتت الست بدرية من بطن الصحافة لتعد برنامجا تلفزيونيا، وشتان ما بين الصحافة والتلفزيون، فضاعت في دهاليز القناة الذهبية وهي ليست وحدها التي ضاعت بيد أن مقدم برامجها الجديد الشاب بدر زيدان سقط هو أيضاً في المصيدة، فبدلا من أن يركز حضوره على برنامجه صعب الفهم صار يجول داخل الأستوديو مزهوا بعضلاته المفتولة، وأزيائه الجميلة، وتسريحة شعره الساحرة، فكان الجميل ليس حاضراَ في الأستوديو.

لا أعتقد أن جهابذة المشرفين الفنيين العرب في القناة الذهبية يجهلون مثل هذه الهفوات الفنية، ولكن "هيك بدو الجمهور الصعودي" وبدون شك أن "بدون شك" وصاحبه برنامج لا يستحق الخوض فيه.

لا يكفي أن تكون وسيما ولا مشهورا أو ذا علاقات كي تقدم برنامجا ناجحا يدوم سنوات ويصنع سمعة لصاحبه وقناته. فقط شاهدوا جورج قرداحي كيف يحترم جمهوره.. يحتويهم يضحكهم، يسعدهم، يتواضع لهم، وقارنوه مع تعالي بدرية، وبدر زيدان الذي أحياناً يسخر من متسابقين في سن والده بداعي خفة الدم، مع أنه شاب مثقف وذو وعي إعلامي متطور ولكن مع القناة الذهبية أضاع الإعلام بوصلته.

الآن على بدرية أن تعود لتطربنا بمقالاتها التي لم تصل إليها كاتبة سعودية من قبلها ولا بعدها في طرح معاناة المرأة السعودية. عرفتم حجم الفاجعة الآن حينما نخسر كاتبة رائعة بحجم بدرية ونكسب مذيعة مزعجة. لا بأس أن تتراجع بدرية الآن بوعيها الصحفي لتبحث عن معد تلفزيوني متمكن ذي خبرة وليس كاتبا صحفيا سابقا، المشرفون الإعلاميون البارعون في القناة الذهبية قادرون على إعادة الوميض للنجمة بدرية متى ما أرادوا، ولكن بصياغه تلفزيونية بعيدا عن صلافة الكتابة وسطوة الأستاذة الجامعية.

الإعلام مثل كرة القدم، حينما يلعب حارس المرمى مهاجما تحدث الكوارث، وحينما ينتقل صوت كاتبة ليحرك الحياة في المياه الراكدة من الصحافة إلى التلفزيون فإنه يصبح مجلجلاً بغيضا، ينبئ عن نقص في التجربة التلفزيونية خصوصا حينما يرافقه غياب تام من مشرفي القناة ومستشاريها ولا نريد هنا أن نحاسب النوايا.

المثقفون السعوديون يكرهون الوصاية ولكنهم أكثر من يمارسها، وأنا أولهم، في ظل الهجوم القاسي الذي تعرضت له بدرية خلال كتابتها الصحفية أرادت أن تطفئ غضبها ببرنامج تلفزيوني غاب عنه مشرفوه.. أن تنقلنا بدرية بين عشرة أخبار باردة باهتة مكررة، الهدف منها الانتقاص من الإنسان السعودي؛ فهذا ليس إعلاما ناجحا مطلقا، وهل أنتقل إلى المونتاج الذي يذكرك بمونتاج القناة السعودية الأولى.. فجأة تنقطع الصورة وبدرية لم تكمل جملتها ثم تنتقل اللقطة بطريقة بدائية حيث تتحدث بدرية إلى جهة أخرى، لم أر سوء التنفيذ في القناة الأحلى والأجمل والأغنى والأكشخ كما شاهدته في برنامج بدرية.

بدرية بثقافتها ووعيها كان من الممكن أن تكون مشروعا لأوبرا وينفري سعودية، لو أعطت الوقت الكافي لبرنامجها التلفزيوني واستشارت أهل الخبرة التلفزيونية الناصحين، لا أن تشخص بصرها فرحة: "شوفوني أنا في mbc صار عندي برنامجي لحالي زي أوبرا وينفري بالضبط"!