ساهم الاستنكار العالمي لمحاولة إقدام القس جونز على حرق المصحف في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر من تخفيف الاحتقان الإسلامي، وكان متوقعا أن تحدث ردة فعل عنيفة فيما لو لم يحدث مثل هذا الاستنكار، وخاصة أنه صدر من عدة جهات دينية في العالم، ومن رجال دين مسيحيين بالإضافة للسياسيين هناك، وهذا خفف من أزمة متوقعة، وكذلك تأثير حوار الأديان والذي من شأنه تخفيف ردات فعل أتباع الأديان في حال وجود أي إساءة منهم تجاه الآخر.
إلا أننا في نفس الوقت لا يمكننا أن نجزم ونقطع بأن ردة الفعل المتعقلة والمتوازنة ستستمر مع كل إساءة للإسلام، مهما استمرت هذه الإساءات، لأننا لا نجزم أن المواقف الدينية والسياسية هناك ستقف في كل مرة ضد الإساءة، مما يعني توقع حدوث ردات فعل عنيفة لا تنظر إلى الإساءة باعتبارها أمرا منافيا للأخلاق والقيم، وإنما يتم اعتبارها استهدافا للدين نفسه، ليس من شخص أو منظمة أو حزب الشخص الذي أساء، وإنما استهداف من الغرب برمته، فتبدأ على إثر ذلك المواجهة الدينية المتضمنة للعنف، فيظهر الإسلام بسبب ذلك على أنه دين عنف، فتتم الإساءة إليه مرة أخرى، ثم نعود إلى نقطة البداية مرة أخرى، وكأننا ندور في حلقة مفرغة، ولذا لا بد من كسر هذه الدائرة.
إن هذا الحدث يقع ضمن عدة أحداث مشابهة له، فلا يمكن النظر إليه بمعزل عن بقية الأحداث المماثلة، إذ لو نظرنا إليه بمفرده كما يفعل الكثيرون، فإن هذا يعني أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ردة فعل من ضمن ردات الفعل المتشابهة والمكررة مع كل حدث استفزازي، وإنما لا بد من النظر إليه ضمن سلسة من الأحداث المسيئة للإسلام والمسلمين كوصف النبي بالإرهابي والرسوم الكرتونية وتدنيس المصحف وهذا الحرق هو آخرها، والتي تقع من أشخاص يبحثون عن شهرة، أو ذوي عاهات نفسية، أو قد يكونون ضمن منظمات راديكالية أو مشبوهة، ولا يعنينا كثيرا بواعثها لديهم ولكن مع تكررها ومع التسليط الإعلامي لهذه الحوادث فإنها تبرز وبقوة، وليس من المعقول أن يتم المسلمون في هذا الصراع مع أولئك النشاز وفي شحن نفسي مستمر ومتزايد بسبب تكررها، ومن المتوقع أنها لن تنتهي في الفترة القريبة طالما أن أعمال الإرهاب مستمرة من تفجير وقتل وخطف للرهائن وغيرها، أو حتى الخطاب الإرهابي، فلا بد إذن من وضع حد لهذه التجاوزات، ليس بمنعها في الغرب لأن المسلمين لا يسيطرون عليه، ولكن بتذويب أعمال وفكر الإرهاب الذي تحمله القلة في داخل منجزات المسلمين، بحيث يختفي الفكر الإرهابي في وسط تلك الإنجازات.
على رأس هذه الإنجازات هو قيام النهضة التي تقنع الآخر بنشاز أي فعل موجه ضد الإسلام لأنه إذا وجد لدى الغرب فكر مؤداه أن الإسلام داعم للنهضة والتقدم فلن يؤثر عليه حينها أي عمل إرهابي أو غوغائي، وهذا موضوع يطول التفصيل فيه وبعيد التحقق في الوقت الراهن، لكن ما يمكن فعله هو إحداث مشاريع علمية وإنسانية في الغرب من منطلقات إسلامية لا الاقتصار على الدور الإعلامي الخالي من أي نشاط، فالغرب لا يتعامل مع هذا النوع من الدعاية ولا يتأثر به، وإنما يتأثر بالفعل ثم تجييره لصالح دعوة أو مبدأ معين، وهذه هي الطريقة التي شوه الإرهاب بها صورة الإسلام، فهو قائم على نفس الآلية، أي الفعل ثم الغطاء الفكري له، فالفعل هو الإرهاب والغطاء هو الإسلام، فلو حدث الفعل الإرهابي بلا غطاء ديني لما تشوه الإسلام، ولو وجد الفكر الإرهابي بلا فعل لما تشوه الإسلام أيضا، كما حصل في بداية التسعينات، فالفكر موجود ولكن الفعل غائب ـ وخاصة الموجه ضد الغير ـ، وهذا ما يفعله التبشير أيضا، فهو يقوم على نفس الآلية (الفعل ثم الفكر المصاحب له)، فالفعل هو تقديم الإغاثة والعلاج والغذاء، والفكر هو الدين الذي يبشرون به، فالتبشير لا يعتمد على الإعلام المجرد كما يفعل المسلمون الآن، ولذا يتعين على المسلمين اعتماد هذه الآلية (الفعل ثم الفكر المصاحب له) في بلاد الغرب من خلال إقامة تلك المشاريع من مراكز أبحاث ودعم للبحث العلمي أو إنشاء بنوك لتقديم المساعدات أو القروض هناك بفوائد أقل ولو استفاد من هذه النشاطات غير المسلمين، ثم إحداث خطاب فكري هائل بأن هذا هو ما يحثنا عليه ديننا، وهنا نستطيع أن نقول إننا قمنا بتحسين صورة الإسلام، وقدمنا شيئا ملموسا يدركه الآخرون فلا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى الإسلام.