المرأة النرويجية التي قضت عشرات السنين، خلف كاميرات المخرجين، وأفلامها تذهب هنا وهناك في أرجاء العالم، ليف أولمن، كتبت مذكراتها في كتاب أسمته "أتغير"، وصدرت نسخته العربية عن دار المدى في عام 2007 بترجمة سامي منزلجي، وفيما كتابة المذكرات والتجارب الشخصية هي الأكثر متعة وتنفيسا وتعبيرا بالنسبة للمؤلف، فإنها أيضا الأكثر متعة وتأثيرا عند القارئ.
الذين عاشوا حياة النجومية والترف، لا سيما في مجال يحقق كليهما، كالسينما، لديهم ما يقولونه دوما عن غرابة حياتهم، قلة الرضا، والعناء الذي يختبئ خلف ما لا يراه الناس، ذاك الجانب الآخر لشيء يلمع. ليف أولمن وهي بنت التسعة والعشرين عاما تزوجت المخرج "برغمان" الذي وصفته بأنه الأكثر قدرة على فهم ما يخطر ببالها دون تعب، "كانت المرة الأولى التي أقابل فيها مخرجا سينمائيا يدعني أميط اللثام عن مشاعر وأفكار لم يكن أحد قد لاحظها من قبل. كان ينصت بصبر، وسبابته على صدغه، ويفهم كل ما كنت أحاول التعبير عنه. كان عبقريا خلق جوا يمكن أن يحدث فيه كل شيء، حتى ما لم أكن أعرفه عن نفسي"، لكنها وبعد طفلة واحدة انفصلت عنه.
تألمت كثيرا، وكاد هذا الانفصال أن يطيش بحياتها، لكنها عزمت على أن تعيد النظر في كل شيء، واستعملت هذه القسوة لتكون وقود تغيّرها، وفعلت. تبدأ كتابها بحادثة ولادتها، فحين أنجبتها أمها في مستشفى صغير في طوكيو في العام 1938 كانت الأم قد رأت فأرا، واعتبرت هذا فألا حسنا، لكن إحدى الممرضات انحنت على رأسها، مبدية أسفها وهي تقول: "إنها فتاة.. هل تفضلين أن تخبري زوجك بنفسك؟". حديثها عن طفولتها يحمله كل منا، لقد عبّرت ببساطة وخفّة. تقول أولمن: "حين أعود بذاكرتي إلى أحلام طفولتي أرى أنها تشبه الكثير من الأحلام التي ما زالت تراودني، إلا أني لم أعد أعتبرها كما لو أنها جزء من الواقع"، وتقول: "دائما أجاهد كي أكبر، ومع ذلك ففي كل يوم أسمع صوت تلك الفتاة الصغيرة في داخلي، لأن شيئا ما أفعلُه، يؤثر بها، تلك التي قبل سنين كثيرة كانت أنا".
أخيرا، لعل المدار الذي صبت فيه ما أرادت قوله عن حياتها هو عنوان مذكراتها نفسه "أتغير". كتبت ليف أولمن: "أحاول طوال الوقت أن أتغير، لأني أعلم علم اليقين أن هناك أكثر بكثير من الأشياء التي كنت قريبة منها". نعم نعم هناك ما هو أكثر بكثير.