في أوائل شهر يونيو من العام الماضي اجتاح مقاتلو تنظيم ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" في العراق والشام "داعش" سهل نهر دجلة، وسقطت في أيديهم مدن وبلدات عدة. كما أن التخوم الشمالية لمدينة بغداد باتت عرضة لخطر التنظيم؟ وأصبح العراق محاصرا، وذا نظام حكم مضعضع ووحيد في العالم.
وبعد ستة أشهر، وبعد أقل من ثلاثة أشهر منذ أن نادى الرئيس "أوباما" بمجهود دولي ضد داعش، ثم تعييني مبعوثا خاصا لدى الائتلاف الدولي لمجابهة داعش، التقى ممثلو 60 دولة في بروكسيل يوم 3 ديسمبر 2014، لإظهار التزامها المشترك بالحط من قدرات داعش وهزيمته في نهاية الأمر. وكان ذلك الحشد رداً على التهديد الذي يجسده داعش للأمن العالمي بحيث إن شركاء كثيرين تلاقوا على وجه السرعة البالغة للتصدي لهذه الحالة الطارئة؛ كما كان شهادة قوية على أهمية الزعامة الأميركية. فما من دولة أخرى غير الولايات المتحدة كانت قادرة على تشكيل مثل هذا الائتلاف المتنوع لمجابهة تحد بهذا التعقيد.
وفي ذلك الاجتماع على المستوى الوزاري في بروكسيل، أظهرت الحكومة العراقية التزامها بأن تصبح شريكا فاعلا في القتال ضد داعش. فقد أطلع رئيس الوزراء حيدر العبادي الحضور على أحدث مستجدات جهود حكومته الوحدوية لاتخاذ خطوات مهمة تعود بالمنفعة على جميع العراقيين، ومن جملتها جهود لتطبيق إصلاحات مهمة في قطاع القضاء واجتثاث الفساد الذي كان ينخر الجهاز الأمني العراقي. وفي الحقيقة أقال العبادي خلال الأسابيع الأخيرة عشرات من كبار الضباط ونشر في العلن نتائج تحقيق رعته الحكومة وكشف عن وجود جنود وهميين على لوائح رواتب الجيش العراقي. وقبل أيام قليلة من اجتماعنا في بروكسيل، وقّعت بغداد على اتفاق نفط حاسم الأهمية مع الأكراد تناول إدارة عائدات النفط وصادراته.
إن استمرار مسيرة العراق نحو الإصلاح وسياسة شمول الجميع بالرعاية ستكون بالغة الضرورة لنجاح الائتلاف. وفي بروكسيل، كان هناك إقرار بأن داعش ليس مشكلة تنحصر بالعراق أو تقتصر على سورية، بل هي مشكلة دولية الأبعاد وتقتضي رداً دولياً مستداما.
وفي ظل الزعامة الأميركية يرد الائتلاف على التهديد العالمي الماثل في داعش بمجهود عالمي منسق. وحتى الآن، تشارك ثماني دول في الائتلاف في الضربات الجوية في أجواء العراق فيما تشارك ست دول في الغارات الجوية في سورية. وحتى مطلع الشهر الحالي، تم تنفيذ ما يزيد على 1200 ضربة أو غارة جوية ضد أهداف لداعش، وفي كل مرة قمنا بتنسيق الدعم الجوي مع القوات العراقية في الميدان، تقلّص زخم داعش الذي أصبح الآن متوجسا على الدوام من الهجوم القادم.
وفي حين يظل التركيز الآنيّ قائما على الحط من قدرات داعش وهزيمته في العراق، فإننا وشركاءنا في الائتلاف سنواصل شنّ الضربات على التنظيم في سورية لحرمانه من الملاذ الآمن وعرقلة قدرته على استعراض قوته. إننا نترك تأثيرا قويا في سورية، فلقد ضربنا مراكز القيادة والسيطرة لدى داعش، وخطوط إمداده، ومقاتليه، وقادته، وبنيته التحتية وموارده العسكرية والاقتصادية في سورية. كما أننا أضعفنا قدرة داعش على إنتاج وتجهيز ونقل النفط، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى أن تهريب وبيع النفط يوفران لداعش ما يصل إلى مليون دولار يوميا.
ولكن بطبيعة الحال، لا يمكننا أن نأمل في هزيمة داعش من خلال العمل العسكري وحده. إن شركاءنا في الائتلاف يؤدون الآن أدوارا قيادية لوقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب، والحدّ من تمويل داعش، وهزيمته حيثما يمكنه إلحاق الضرر بشكل مذهل: في الفضاء الافتراضي وسوق الأفكار. لقد ساعدت شتى البلدان على اختلاف مشاربها مثل المغرب وألمانيا والكويت في تنظيم وتوجيه هذه الجهود. وعندما نزح الملايين من الرجال والنساء والأطفال من جراء همجية داعش، بادرت عشرات الدول إلى تقديم مساهمات إنسانية كبيرة، ومن الضروري لها أن تواصل القيام بذلك، لكي تستعيد المنطقة استقرارها ويستعيد المدنيون الأبرياء المتضررون من الصراع الأمل في المستقبل.
وعبر كل مسار من مسارات هذا الجهد، فإن نجاح الائتلاف في نهاية المطاف ضد داعش سيعتمد على التزامنا، وقدرتنا على الإبداع، وعلى التنسيق بيننا. كما أننا لا يمكن بالفعل أن نهزم داعش على المدى الطويل إذا لم نستغل هذه اللحظة الفريدة في التاريخ للتصرف واتخاذ الإجراءات المناسبة كمجتمع من الدول لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي سمحت لأيديولوجية داعش السامة والمدمرة بالازدهار.
إن هذه المهمة طموحة، وقد يطول زمن إنجازها. ولكننا نتصدى لهذا التحدي بتحالف متنام ومتنوع من الشركاء. وإذا ظللنا متحدين في هذا الجهد المشترك لهزيمة داعش ووضع الأسس لشرق أوسط أكثر استقرارا، فإننا بذلك نكون قد تركنا إرثا أقوى بكثير من هزيمة جماعة واحدة متعصبة وعدمية وهدّامة من الإرهابيين، وسنكون قد وضعنا الأساس لعالم أكثر تسامحا وأكثر أمنا وازدهارا.