ربما كان التوسع السعودي في الإنترنت وعبر المواقع الاجتماعية سلاحا ذا حدين، أولهما انتشار معرفي مطلوب يواكب التطورات الثقافية والفكرية وتحقيق معدلات تفاعلية عالية داخل الوسط الاجتماعي من ناحية، ومن ناحية أخرى التواصل مع العالم الخارجي واكتساب معارف وثقافات وأفكار جديدة ومحفزة ذهنيا، غير أن الحد الثاني سلبي للغاية وهو أن يعتبر الإنترنت ومواقعه مدخلا لاختراقات الأمن الفكري والثقافي واصطياد الشباب وصغار السن لجهات أخرى تعمل في فضاء خطير ومهدد للأمن الوطني.

الحد الثاني الحاد أكدت مخاطره دراسة حديثة أجراها فريق بحثي بجامعة الملك سعود توصل فيها إلى أن تنظيم "داعش" يلجأ إلى الحصول على المعلومات للمنشآت التي يسعى إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت، حيث إن 80% من مخزون التنظيم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للجميع، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.

ولعل الأخطر والأكثر إثارة للاهتمام هو أن لدى التنظيم فريقا من الخبراء التقنيين مهمتهم الرئيسة تتمحور حول اختراق البريد الإلكتروني للآخرين، وهتك أسرارهم والاطلاع على معلوماتهم وبياناتهم، والتجسس عليها لمعرفة مراسلاتهم ومخاطباتهم والاستفادة منها في عملياته الإرهابية، وأشارت الدراسة إلى أن هذه الطريقة أصبحت وسيلة سهلة وآمنة للتواصل بين الإرهابيين، وتبادل المعلومات فيما بينهم والتخطيط لعملياتهم.

إذا قلنا إن هذا الخطر يرجعنا إلى فكرة المحاصرة الإلكترونية، فتلك رجعية حضارية وتقنية، وإذا فكرنا بذات الطريقة التي تخترق التنظيم وغيره، فذلك عمل الأجهزة الأمنية في تتبع كوادر التنظيم النشطة في المواقع الاجتماعية ومبادلتها أفكار الاختراق والدخول إلى العقل الإجرامي لديها والبحث في معلوماته وبياناته، ولكننا في الواقع لا نتدخل في التقاطعات الأمنية في تعاطيها مع حراك التنظيم إلكترونيا، رغم أن الثابت من خلال كثير من التقارير أن التنظيم يعتمد على العملية التفاعلية في التواصل بين أعضائه وعمليات تجنيده سواء في السعودية أو كل العالم.

لا نريد أن نبدو انهزاميين في صراعنا مع التنظيم المتطرف، ولكن هناك خلل حقيقي في التفاعل مع طروحات التنظيم عبر المواقع الاجتماعية، لأن اصطياده للشباب مستمر، وهذا أصلا هو الفضاء الذي ينشط فيه لاستقطاب الآخرين، ولكن لماذا ينجح؟ هل لأن هناك من يتعاطف مع طروحاته الدينية؟ ولكن هل الدين هو جز الرؤوس والأعناق ورجم الفتيات وكأن هذا الدين جوهره هو القتل واستباحة الدماء؟ هل الدين دموي إلى هذا الحد الذي يقدم من خلال التنظيم إلى العالم بصورة نمطية عنيفة وعدائية لا يسر فيها أو تسامح؟ هل الذين يتعاطفون متعطشون للدماء ويرغبون في الجنة عن طريق الموت والدم؟

ليس هناك ما يدعو إلى التعاطف مع التنظيم في الواقع لأنه يرتكز إلى أفكار وأسس إرهابية صريحة تتناقض مع الدين، ولنتجاوز فكرة التغرير لأن من يمتلك حدا أدنى من العقل لا يمكن تضليله بسهولة، أو تخريب قناعاته، فالجميع على فطرة من الأمن والهداية والاستقرار النفسي والعقلي الذي يفترض ألا ينتهي بهم الى أوهام الجهاديين المعاصرين حول الدين والإنسانية، وذلك يضعف فكرة التغرير لأنهم في الواقع يتعرضون لضغط من محيطين غير مرئيين سواء في المجتمع أو المدرسة أو الجامعة أو أصدقاء الإنترنت، ودون مثل هذا التأثير لا يتوقع أن يختار الشخص طواعية طريق الإرهاب والجهاد الزائف، ما يعني أنه بمنطق العلة والسببية أن العامل المؤثر والنافد في عقل المستهدين يأتي من الداخل وليس من الخارج، وهو ما ينبغي البحث عنه والتعامل معه.

بعض من الدعاة بعصبية منهم يهيؤون الشباب والصغار إلى مرحلة أولى من الفكر المتطرف، فيتسببون بذلك في حالة تيه عقلي تجعلهم لقمة سائغة في أيدي المتطرفين الذين يتلقفونهم سواء بطريق مباشر أو عبر الإنترنت، ويبدأ الغسل والإحلال والإبدال في غفلة من البيت أو المؤسسات المدنية غير الفاعلة في مجال الأمن الفكري والثقافي فنحصد في النهاية منعزلا يتوجه إلى التطرف، ومع ضغط الإنترنت تزيد الحصيلة السلبية وترتفع الإحصائيات على هذا النحو المخيف الذي وصلت إليه الدراسة التي تحتاج إلى دراسات أخرى لمعرفة الأسباب والنتائج وصولا إلى توصيات علمية توقف ضخ متطرفين إلى الإرهاب.