من أكثر الأمور السلبية في الحوارات والجدالات الفكرية التي مر بها الوسط الثقافي خلال العقود الماضية وحتى الآن محاولة كل طرف من أطراف (الحوار/الصراع) التحريض على الطرف الآخر واستعداء الجهات الرسمية عليه، من خلال توظيف أمور لا علاقة لها بالفكرة محل النقاش، مما يتسبب في تعطيل كثير من الحوارات المهمة التي تحرك الراكد وتثير الأسئلة المهمة، التي يجب أن تثار، مما قد يؤدي إلى ظهور حقائق وأمور كانت غائبة عن عامة الناس لسبب أو لآخر.
ولعل ما حدث لبعض مثقفي ومبدعي جيل الثمانينات الميلادية من إقصاء وهجوم وتشكيك في الضمائر وحتى الدين أبلغ دليل على ذلك، وقد أدى إلى ردات فعل غير محسوبة أحيانا من بعض الأدباء والمثقفين لحظتها من مبدأ الدفاع عن النفس كما كان يقال. فأنا هنا لا أبرئ أي طرف. فمن المؤكد أن هناك أخطاء وتجاوزات من طرفي الحراك الثقافي حينها، ولكن الأكثر صحة أن من يبدأ الهجوم ومن يصل به الأمر إلى التخوين وتجريد الآخر من الدين والوطنية هو من يتحمل المسؤولية الأكبر.
وفي هذا الإطار شهدنا منذ يومين طرحا على بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول قضية سحب درجة الدكتوراه من الدكتور سعيد السريحي التي قدمها في أواخر الثمانينات الميلادية لـ"جامعة أم القرى"، وذلك بتهمة أن الرسالة "تخالف قيم ومنهج الجامعة". ولعل هذا الطرح الذي يطالب بإعادة الشهادة للسريحي يكون شرارة انطلاق لفتح ملفات أخرى لشخصيات أدبية وفكرية أثبتت الأيام أنها أكثر إخلاصا وصدقا مع الوطن، ممن شنع عليها في ذلك الوقت، ووزع عليها التهم المجانية، وخصوصا في أخطر جانب لا يمكن التغاضي عنه وهو الجانب العقدي فضلا عن الجانب الأخلاقي.
الغريب أن بعض أولئك الذين أسهموا في التشويه والإساءة ما زالوا يمارسون ذات الهواية، كلما وجدوا أن الأتباع والجماهير التي تصفق لأي تهمة أو انتقاص دون التثبت من صحتها ومن هدف مروجها قد انفضوا ولو قليلا.
وفي اعتقادي أن اللوم ليس على هؤلاء، بل على المثقف والمبدع نفسه الذي رضي بالسكوت عن حقه، ولم يطرق كل الأبواب القضائية أو الرسمية، ويطالب بالتحقيق مع أي شخص يمارس هذا النمط من الشتائم وتوزيع التهم التي تمس الأشخاص، دون أي يكون لديه الحق أو أن يملك الدليل.
فلو فعل هؤلاء الأدباء الذين تعرضوا للإساءة والتشويه، وطالبوا بحقوقهم المعنوية، وتوجهوا إلى المحاكم لأخذ حقهم، أو إثبات التهم، فلن يجرؤ بعدها أحد مهما كانت مكانته الاجتماعية على الاستعراض ومحاولة دغدغة مشاعر الأتباع والجماهير، من خلال الإساءة إلى أي أديب أو غيره.
[email protected]