"قلبٌ تمرس باللذات وهو فتى

كبرعم لمسته الريح فانفتحا

ما للأقاحية السمراء قد صرفت

عنّا هواها؟ أرق الحسن ما سمحا

لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن

لكنت أرفق من آسى ومن صفحا

غداةَ لوَّحْتِ بالآمال باسمة

لان الذي ثار وانقاد الذي جمحا"

"بشارة الخوري"

يصر بعض أصحاب الحسابات من المشاهير وأحيانا من غير المشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي على عبارة "أنا هنا أمثل نفسي" والعبارة ملفتة خاصة عندما يسبقها بعبارة تشير إلى صفة أو وظيفة تلامس اهتمامات المتابعين!

الكتابة تجديف نحو الداخل حتى لو كانت موجهة للآخرين! قدرها وقدر أصحاب الحروف المسكوبة بين وجعين أنها فضاء للبوح وقسوة لتجاوز الصمت.

يكتب الإنسان حين تعبر روحه طاقة أقوى من احتمال صمته المدجج بالحذر فينهار وتتساقط عنه الكلمات ويكون نضح الإناء المسكوب حتى على جدران الشوارع راثية أو متوسلة أو غاضبة!

كيف تمتلك الكلمات كل هذا السحر فتشعل قناديل الروح أو تنطفئ بها بوابات الأمل!

ما أرق الكلمات حين تأتي لمواساة حزن استبد بك فتغسلك وما أقسى أن تلقي أحجارا على جسدك!

هناك من يوجه لك السهام مباشرة ليقتنص بقايا الأمل فتتداعى وإذا بيد أخرى تتلقفك وتنتزع منك أوجاع آخرين رموك بأدوائهم!

فحين تصرخ امرأة قائلة: إن من تطالب بحق من حقوق المرأة لا تمثلني فهي في حقيقة الأمر تصادر حق الأخريات في التعبير عن أنفسهن؛ وهن في الواقع يبحثن عن مصالحهن الشخصية وحسب لا أكثر ولا أقل والتحولات في المجتمعات الإنسانية مستمرة ونحن جزء منها ولا بد أن يدور أمثال هذا الصراع إلا أنه يجب الاعتراف بحق كل إنسان بالمطالبة بطريقة لا تضر بغيره وأن يتحمل أيضا من يطالب عواقب الطريق الذي اختاره وسار فيه فلا يحمل الصامت المتكلم وزر كلامه والعكس ليس صحيحا أيضا!

وحين تم تكليف عضوات لمجلس الشورى من أطياف المجتمع المختلفة تعالت أصوات بعض النساء أن عضوات الشورى لا يمثلن النساء لأنهن غير منتخبات!

صحيح أن هناك صراعا لا يهدأ بين المؤيدات والمعارضات أي بين فئتين (تمثلني ولا تمثلني) إلا أن القضية مختلفة تماما فما يحدث من سلوك فردي لا يمكن أن نسقطه على المجتمع كما لا يمكن أن نستأصل أفرادا من المجتمع بحجج واهية من أصل وثقافة وغيرها وكأننا لا نتشارك على ذات الأرض.

نعم عشنا مئات الأعوام من العزلة عن العالم من حولنا وكان ثمن هذه العزلة انغلاقا ورهبة من الآخر الذي تحول في زمننا هذا للجار القريب؛ إلا أن هذا الانغلاق أفرز انفتاحا على الأبعد وابتعادا عن الأقرب ولا بأس لو كان التلاقح والتعاطي مع غيرنا يتمادى دون إقصاء ذواتنا.

دائما تحضرني مقارنة عصرنا بعصور الإسلام الأول عندما تمازجت الأصول والأفكار والأشكال والألوان وصنعت حضارة عظيمة غنية ثرية بأفرادها المختلفين والمتصارعين أحيانا إلا أن كلا منهم كان يسهم في مسيرة التنمية مقدما ذاته كنموذج حضاري مميز رغم اختلافه فلا ندهش حين ندرك أن صراع الأسلاف كان مثمرا لأن كلا منهم حاول إثبات نفسه بأن يطلب المزيد من العلوم والمعارف المتاحة في عصره فكأنهم يستقربون النجوم من شدة الهمة ولم يكن المجتمع الفكري يوجه سهامه لترتد إليه بل لتصطاد له أطايب ثمار الفكر.

أعود لسؤالي الذي عنونت به وأسأل: في مجتمعي من يمثلني؟ وهل تمثلني عضوة الشورى التي ترفض إقرار قانون للتحرش؟! أو التي تريد فرض زي على مذيعات قنواتنا الرسمية؟!

برأيي الخاص (الذي يمثلني) أن كل إنسان محاسب على مواقفه بشكل فردي ما لم يكن ممثلا منتخبا أو معينا لفئة أو جماعة ومهما كان توجهه فهو لا يمثل نفسه أو تياره الديني أو قريته أو توجهه السياسي أو أهواءه الخاصة بل هو ملزم بأن يخدم من يعمل لهم ويرعى مصالحهم وعليهم أن يقبلوا أو يرفضوا منه لا أن يتجاهلوه حتى يتحقق تمثيلهم بصدق.