حضرت قبل أسبوعين درسين تطبيقيين في الثانوية الأولى لتحفيظ القرآن، وكانت فرصة حقيقية للشعور بالتحسين الذي يبدو أنه زار - بعد زمن- فصولنا وسبورات تلاميذنا.

ذكرت لي المشرفة الأستاذة آمال، أن كل مشرفة أصبحت ملزمة بثلاثة دروس تطبيقية/ نموذجية تعدها معلماتها في السنة الدراسية ويحضرها جميع المعلمات اللواتي تشرف عليهن، ويجب أن تكون تلك الدروس تطبيقاً عملياً للتعليم التعاوني الذي قرر قبل سنوات ليكون وسيلة التعليم في بلادنا، لكنه الآن بدأ يخرج من أوراق المشرفين إلى الوجود التعليمي.

في الواقع، أن التعليم التعاوني استُخدم في أميركا منذ الستينيات، وظهر على أدواته واستراتيجياته العديد من التحسينات، وكان قرار تطبيقه بنسخته الحديثة قراراً عظيماً، لكن تدريب المعلمين عليه عبر رؤية زملاء لهم يطبقونه لم أشاهده كقرار ملزم سوى هذا العام.

ممّا سبق أود أن أقول: إن الكثير من القرارات التعليمية كانت تفرض دون تدريب للمعلم؛ أعني دون تدريب جدي يرى فيه المعلم تطبيقاً حقيقياً لهذا القرار أمام عينيه ويسير عليه؛ مثل قرار إلغاء الامتحانات والاعتماد على التقويم الذي - نتيجة لعدم تدريب المعلمين عليه- فشل فشلاً ذريعاً وأنتج أجيالاً رأينا نتائجها في اختبارات القدرات؛ ليأتي قرار تاريخي اتخذه سمو وزير التعليم الأمير خالد الفيصل في 2014 بإعادة الاختبارات بدءاً من الصف الرابع الابتدائي.

أما خارج الصفوف المدرسية فكان هناك قرار آخر يبدو أنه علاج مؤقت لحين صدور قرار يعالج القضية نهائياً، وأقصد به قرار دوام المعلمات المغتربات الذي قصر عملهن على ثلاثة أيام في الأسبوع.

في الحقيقة، أن هؤلاء المعلمات -أعني من يفضلن قطع المسافات للوصول إلى مدارسهن والتي يصل زمن استغراقها إلى 6 ساعات يومياً- بحاجة إلى تغيير آرائهن حول مسألة السكن في مكان عملهن، وذلك لن يكون إلا بإقامة مساكن لائقة بهن بوصفهن معلمات، ثم إجبارهن على السكن فيها تحقيقاً لمصلحة التعليم/الوظيفة التي يرغبن في شغلها ولا نرغب نحن في هلاكهن في سبيلها.

القرار التعليمي الآخر وهو إداري لم يظهر بشكل رسمي، بل تم تداوله بقوة، وهو يتناول الهيكل التنظيمي في وزارة التربية والتعليم، وكونه في نسخته الجديدة سيلغي إدارة الجودة.

في الواقع، أن إدارة الجودة في الوزارة مرت بمراحل إنشاء لم تكن في حسبان من وضعها في الهيكل التنظيمي؛ فعندما صدر قرار إنشائها تزامن ذلك مع تقليص عدد المشرفين والمشرفات؛ فتفتق ذهن قيادات التعليم عن شغل إدارة الجودة بكل من هو زائد عن إدارته وترغب في التخلص منه بنقله لإدارة الجودة المستحدثة؛ ليكون ذلك سبباً رئيساً في هذا الشعور الذي يكتسح التعليم في إداراته وفي المدارس، والذي يكشف عن عدم رضا منسوبي التعليم عن أداء الإدارة واعتبارها تفتقد الجودة في نفسها، فكيف تقدمها وتدرب عليها؟! وهو ما يفسر الأقاويل عن إلغائها.

إذا أردنا الحقيقة فإن إدارة الجودة في وزارة التعليم تقوم بدورها التطوير الإداري والذي لم يزل حتى اليوم يعتمد على معهد الإدارة في تدريب كفاءاتها، رغم اختلاف الإدارة التعليمية عن الإدارة العامة، وخاصة في مسائل دقيقة كإدارة المدرسة أو الصف، ولو وضعت الأموال التي صرفت فقط على رحلات منسوبي الجودة للخارج لإنشاء مركز تدريب إداري في كل منطقة تعليمية لكان أفضل.

هذا العام صدر قرار بزيادة أعداد المعلمين والمعلمات المبتعثات، وبخاصة من أثبتوا جدارتهم في الميدان.

وفي الحقيقة، أن إجراءات الابتعاث هي الإجراءات الوحيدة في وزارة التربية والتعليم التي يحصل فيها المتميزون على فرصتهم بعيداً عن المحسوبية والعلاقات التي تطغى على السلوك غير الرسمي في الوزارة.

لكن السؤال: ماذا بعد عودة هؤلاء المعلمين والمعلمات؟ خصوصاً في تخصصات مثل الإدارة التربوية؛ هل سبق للوزارة أن حصرت أعدادهم وشاهدت ماذا تفعل بهم الإدارات التعليمية؟ ولماذا تقوم بإرسالهم إلى المدارس معلمين رغم أن تخصصهم أصبح إدارياً والدولة صرفت مئات الألوف عليهم وعلى تعليمهم؟

لقد سبق أن كتبت عن الأستاذة أريج العبيري وشهادة الماجستير التي حصلت عليها من جامعة كاردف في تخصص الجودة الشاملة، وكيف أرسلت للعمل بعد تخرجها معلمة ابتدائي رغم أنه ليس لديها أدنى تجربة في تدريس هذه المرحلة!

إن مثل أريج العبيري الكثير، وإبعادهن يحمل رسالة واحدة وهي أن خطط الوزارة في الابتعاث لا تنفذ منها الخطة الأخيرة.