من كان يتابع أحداث العالم خلال اليومين الماضيين يلحظ أهمية التقنية والنجاحات التي قطعتها شركات الابتكار، وتسارع العالم في جلب التقنية، وما يعرف بشبكات "النت" والمعلوماتية. ويدرك أيضا التسارع المخيف إزاء تجريم المخترقين للحسابات ونصب العقوبات الرادعة أمامهم، علَّها تروع هؤلاء اللصوص وأمثالهم من أصحاب "الهكر" وهلوسة "النت" وعالم الإلكترونيات الحديثة.
هذا الموضوع يجر إلى الكتابة حول تنوع أساليب الحرب بين الدول على مختلف أشكالها وعلى مر عصور التاريخ البشري حتى وصلنا إلى حرب النجوم والحرب الباردة وحروب الاستنزاف، واليوم حرب الإلكترونيات والتنافس على ملايين البشر في العالم عبر اختراق ذاكرتهم الإلهية إلى ذاكرة "النت" وقواعد البيانات، ومن خلال هذه المتابعة كان يجدر بنا أن نسجل ملحوظاتنا حول هذا الاندفاع العالمي الذي جرى في شرق الكرة الأرضية بين الكوريتين، وتعطل شبكات الإنترنت وألعاب "البلاي ستيشن" واعتذار بعضهم لبعض وأن الخلل قد تم إصلاحه وأن العطل كان مفاجئا.. لماذا..؟ عندما تكشفت بعض المعلومات الخاصة بالتجسس على أرقام الآخرين كانت الرقابة الفنية تُدار بأيدي شركات الإنتاج المصنعة (سوني) وغيرها الخاصة بالألعاب الإلكترونية، فتخوفت بعض الدول من نجاحات الدول العدائية عليها.
ومن تجربة الحرب الإلكترونية الطارئة إلى عالم الطفولة الإلكتروني إلى عالم البنوك المتعاملة مع التقنية أتت يقظة ضمير المتعاملين مع "سرَّك في يد غيرك"، وهذا ما حذرت منه الدوائر الاستخباراتية في كل ما يمكنه تعطيل عجلة التنمية في العالم على حساب بلايين الدولارات التي يكنزها صناع التقنية.. بعد هذا.. أتساءل أين موقعنا من هذا السباق المحموم الذي نال العالم الأسبقية فيه ليكون في المقدمة ونحن نصنف في العالم الثالث؟ ألمْ تكن لدينا عقول تستطيع إدارة وكالة ناسا؟ هناك علماء في معامل بريطانيا مع زملائهم في الابتكارات؟ ألم تشهد دوائر اليونيسكو على التفَّوق العلمي وحصولهم على جوائز متقدمة في أحدث الصناعات العالمية؟ لكن ذلك يمر دون ذكر، وعندما تحرك العالم للدخول في السطو على معلومات تمس سيادة الدول وتَقْفز على حساب التقدم العلمي تجاه الآخر؛ تحركَّت الأيدي المصنعة للتكنولوجيا السمعية والبصرية، وأثبتت أن لديها تفوقا من نوع آخر يفوق الطائرات والصواريخ عابرة القارات، لتتكرر حرب النجوم ثانية، ويصحو العالم على نوع جديد من الملَحْمة الإبداعية لخدمة البشرية دون المساس بمصانعهم والإضرار بكوكبهم الفضائي والأرضي.
هنا سجل العالم تقدماً يفوق الوصول إلى القمر عبر سفن الفضاء إلى سباق الأقمار الصناعية والاستفادة من مصانع كوريا واليابان وعلماء النانو في عالم اليوم. إن عقولاً صنعتها حضارة الإبداع في الغرب أو في الشرق قادرة على أن تصل بعقول أبنائنا إلى مصاف المبدعين والموهوبين من ذوي القدرات الفائقة، ترعاهم الدولة بالحوافز والجوائز ومعامل التدريب والابتعاث، حتى تحصل على رجال يشار إليهم بالبنان مثل غيرنا من علماء الغرب والشرق. ولهذا تقع مسؤولية كبيرة على عاتق المعاهد المهنية والتقنية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبدالله للطاقة والجامعات المعرفية في بحوثها النيرة، والرافد الأساس في ذلك هو دعم البحث العلمي لدى جامعاتنا ومدننا العلمية، وأجزم أن هناك آلاف المبدعين والموهوبين ومن قام بتسجيل براءة اختراع له هنا أو هناك كلها تحتاج إلى كادر ودعمٍ يضَبط حركة التفوق العلمي السعودي. وأتذكر هنا تجربة رواد المعرفة في البناء الاجتماعي لشركة أرامكو وقدرة شبابها وشاباتها على خوض هذه التجارب مهما كان تنوعها تقنياً أو فنياً أو خيالياً ينقلنا إلى حقائق المستقبل. ولقد رأيت عقولاً داخل معرض أرامكو السعودية بقيادة الشباب السعودي الناهض مع فارسهم الأستاذ خالد الرميح وزملائه الذين تجولوا بعقول شبابنا على المنتج الحقيقي الواقعي في كل ميادين العلم التكنولوجي والعلمي والإبداعي، مما يحفز رجال الأعمال لتخصيص وقف يُثابون عليه عندما يُفيد الأمة قاطبة بهذا الدعم، ولنا شاهد في مدارس الغرب والشرق ومعاهد العلم في دول العالم الذين أبدعوا في تمويل وقفي يشهد له التاريخ البشري على الحضارات.. كيف وحضاراتنا الإسلامية سباقة في ميدان الوقف لبناء أعمار البشر طبيا وعلميا واجتماعيا. افعلوا هذا تؤجروا حتى نستطيع أن نتسابق مع الغير في فضاء الإنترنت والشبكات العنكبوتية التي مع الأسف تخيل بعضنا أنها ضارة، وما علموا أن "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها أخذ بها". جربوا تنجحوا..