خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - كعادته في اهتمامه بأمته العربية وترتيب بيتها الداخلي كان حريصا على إنهاء الخلاف السياسي بين مصر وقطر الشقيقتين بكل وسيلة وبأسرع وقت.

وبحنكته وحكمته وبعد أفقه السياسي - رعاه الله - أدرك حجم الخلاف ومدى اتساع رقعته، وأن الأمور أخذت منحى خطيرا بين الدولتين لدرجة كادت معها أن تخرج عن السيطرة. كبير العرب يريد للعرب وقادتهم كل خير، لذلك كان منذ البداية يدفع باتجاه تقارب المواقف ومحاولة الوصول إلى تفاهمات مشتركة، وبما أنه يحظى بمحبة وثقة واحترام شيخ قطر ورئيس مصر نجحت الوساطة، وها هي تسير نحو تقدم مطرد تجاه عودة علاقات طبيعية دبلوماسية كما عادت علاقات الدوحة مع الرياض والمنامة وأبوظبي.

حكيم العرب لقب مستحق تم إطلاقه على خادم الحرمين، وهو تكريم لإنجازات ليست بخافية. حكيم العرب - هذا الملك الصالح - نثر كنانته وعجم أعوادها فاختار أكثرها ملاءمة للمهمة كي تحظى بالنجاح. مهندس التطوير السعودي ورئيس الديوان الملكي معالي الأستاذ خالد التويجري يرافقه مسؤول قطري رفيع المستوى كانا قبل أيام في القاهرة. الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وخالد التويجري كانا مبعوثين لتمثيل مبادرة خادم الحرمين - أيده الله - لتنقية الأجواء بين الدوحة والقاهرة وإنهاء حالة القطيعة والعداء المتبادل، التي كانت حالة طارئة حرص كبير العرب على أن تنتهي.

أبو متعب - يحفظه الله - رجل سلام ويؤمن بصناعة السلام، ويمارس ذلك قولا وعملا، ولم يكن ليسمح لمشهد الخلاف أن يستمر أكثر. تقدم الملك بهذه المبادرة لرغبته في إرساء أسس التعاون والمحبة بين الدول العربية وكما كان متوقعا فقد رحب قادة البلدين بهذه المبادرة. أمير قطر الشاب ظهر في cnn قبل أيام وتحدث بلغة إنجليزية تنم عن ثقافة عالية متحدثا عن علاقة قطر بالإخوان المسلمين. وكان الشيخ تميم جريئا جدا في الدفاع عن أفكاره، وقد ألمح إلى أنه يتم حاليا منع رموز تيار الإخوان المسلمين من ممارسة أية أعمال أو تصريحات أو ممارسات سياسية من داخل قطر، وإن كان قد رحب بإقامتهم في حال رغبوا في ذلك، وهذا ما كانت تريده مصر ومن قبلها السعودية. الدوحة أرسلت رسالة واضحة للقاهرة أن قطر كدولة لن تدعم أية حركات تهدد القيادة المصرية الجديدة، وأنها - أي الدوحة - أدركت أن الدفع بالاتجاه السابق في رعاية الإخوان ربما كان سيقود مصر لحرب أهلية. القاهرة أيضا أدركت أن استمرار الخصام لا يمكن أن يستمر بين دولتين عربيتين، ووثقت بما تضمنته رسالة التويجري الذي أكد عبر تصريحات إلى "العربية" أن الرئيس السيسي ممتن لتلك المبادرة وللعاهل السعودي حكيم العرب وموافق على تلك المبادرة. صناعة السلام ومحاصرة الخلافات العربية وإصلاح ذات البين كانت سياسة خادم الحرمين مع الكل في أبوة حانية ومسؤولية إسلامية كبيرة، لذلك دائماً تجد مبادراته القبول وتحظى باحترام المجتمع الدولي، لعلم الجميع بنبل أهدافه وصدق نواياه. المصالحة الشهيرة بين فتح وحماس في بيت الله الحرام برعاية الملك ليست عنا ببعيد، وكذلك مبادرته للسلام التي أجمع عليها العرب والفلسطينيون.

أدرك صانع السلام أن مجلس الأمن لن يصنع الأمن في المنطقة، خاصة بين العرب، لذلك وكما يقول أسلافنا "أرسل الحر ولا توصيه"، أوكل الأمر إلى الأستاذ خالد التويجري لينفذ مبادرة مليكه بحذافيرها، بأمل أن نرى عودة لسفراء الدولتين العربيتين إلى مكانهما الطبيعي في عاصمتي كل من البلدين. هذا الملك الصالح استطاع في قمة الرياض الماضية أن يمهد لقمة الدوحة بعودة سفراء الخليج الثلاثة إلى العاصمة القطرية وعودة العلاقات، ثم أردفها مباشرة بلملمة الخلافات القطرية المصرية وأوكل ملفها لخالد الذي نجح في ما أوكل إليه.

الخلاف بين الدولتين ينحصر في أمرين فقط: الأول يتعلق بقناة الجزيرة وما تعتبره القاهرة تحريضا وتدخلا في الشأن الداخلي، والثاني يتعلق بدعم قطر كدولة ونظام لرموز قادة مصر السابقين الذين تمت الإطاحة بهم.

أعتقد أن قائدنا حاليا يفكر في خلق محور تركي سعودي، يبدأ بتنقية علاقات أنقرة - الرياض مما علق بها من شوائب في بعض الاختلافات في وجهات النظر، أيضا تجاه دعم النظام التركي لحركات الإسلام السياسي وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين العالمية، التي ليست على وفاق مع كل الأنظمة العربية بما فيها السعودية.