لا يعنيني من ألف كتاب الفقه للصف الأول المتوسط، ولكن يعنيني أني وجدت كتاب الفقه لابني الطالب في الصف الأول المتوسط مليئا بمعلومات فقهية متخصصة لا ترتبط بفقه واقعه، ولا تناسب مرحلته العمرية، وليس لها حضور في حياته العملية، مما يحتم بقاءها فقط في فصول المدارس الشرعية. يعنيني وبشدة أن الكتاب يكرس لعقلية وسواسية متشككة، وذهنية قلقة تتعلق بالتفاصيل الصغيرة للعبادات دون تركيز يذكر على جوهرها ولبها! يعنيني أن الكتاب يكرس لدونية المرأة وتحقير الإناث وتبخيسهن، فحتى في البول هناك فرق لصالح بول الرضيع الذكر "المخفف النجاسة" لحساب بول الرضيعة الأنثى؛ الذي يقترح الخطاب المسكوت عنه أن نجاسته "مغلظة "!! والدليل الذي استنبط منه الحكم الفقهي السابق هو حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتى بطفل صغير لم يأكل الطعام، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه على ثوبه، ولم يغسله". انتهى الحديث؛ ولكن هنا تنشط العقلية الذكورية الجهبذية لتضيف فهمها وتفسيرها الخاص لتردف الحديث الشريف بعبارة "وهذا الحكم خاص ببول الرضيع الذكر دون الأنثى"!!
ولك أن تتخيل عزيزي القارىء ماهية الإجابة على سؤال: لماذا، والذي لابد أن يقفز على لسان الطفل أو الطفلة فور سماعه لهذا الرأي؟! وما يمكن أن يكرسه في عقل الطالب من احتقار للمرأة: أمه وأخته وزوجته وابنته في المستقبل، وما يرسخه داخل الطفلة من دونية واحتقار لذاتها!! فيما يورد الكتاب معلومة تقول إن بول الحيوان المأكول وروثه طاهران، مستدلا بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم".
يعنيني أن الكتاب يتحدث عن تطهير جلد الميتة بالدباغ، وكأن أطفالنا لا يزالون يعيشون في الأزمان السالفة حيث يتعاطون مع جلد الميتة آناء الليل وأطراف النهار!
يعنيني سقم الاستدلال؛ وسوء الاختيار المفتقر للذوق واللياقة لبعض الأحاديث الموجودة في الكتاب، ولا أدري ما الفائدة التربوية والعلمية المتوخاة من تدريس الطفل حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين".
يعنيني أن الكتاب يدرسهم حديثا طويلا عن أوقات الصلاة ينتهي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان"! وأنا هنا أتحدث عن مواءمة هذا الاختيار لأطفال في الثانية عشرة من عمرهم وما يمكن أن تثيره دراسة هذا الحديث في عقولهم الصغيرة من إشكالات! ماذكرته آنفا – للأسف - غيض من فيض، والأمثلة أكبر من حصرها في مقال محدود الكلمات.
فيما تزعم مقدمة الكتاب مراعاته لتنمية مهارات التعلم لدى الطفل من خلال مساحات للتفكير تتيح التمرن على الاستنباط، بينما ما قرأته في المنهج لا يوقظ فكرا ولا ينمي مهارات، بل يعتمد على آليتي النقل والاستظهار وإن تغير الثوب الخارجي!
ختاما: يؤلمني أن التطوير المأمول والتجديد المرتجى ليسا إلا ديكورات شكلانية وبرقشة مظهرية، بينما يظل الفكر المؤلف لمناهج الدين محبوسا في ذات الأطر القديمة الماضوية دون قدرة على التغيير!