بعض الإداريين الأجانب يؤسسون لأوضاع وظيفية معقدة تفتقد العمق السلوكي الذي يمنح هامشا أريحيا لتدريب السعوديين والصبر عليهم، ولو قليلا، حتى يستوعبوا الأعمال الوظيفية التي ينبغي عليهم أداؤها، وذلك ينطوي على فكرة سلبية مسبقة عن طبيعة أداء هؤلاء الموظفين ما يؤثر سلبا على مستقبلهم في الوظائف التي يعملون بها، ولو تم التعامل بقليل من الروح العملية التي تضع اعتبارا للبلد الذي يعملون به وحاجتها لتوظيف أبنائها وتأهيلهم إنتاجيا، لما شهدنا تلك التعقيدات المتعمدة من أجل إظهار هؤلاء الموظفين وكأنهم عديمو الجدوى والفائدة.
في أي قضية عمالية، طرفها سعوديون، نقف من حيث المبدأ معهم، إلى أن يتبين إن كانوا مقصرين في أداء واجباتهم أم أنهم يتعرضون لضغط وعسف وظيفي يستهدفهم، وقد وضعني بعض الإخوة مؤخرا أمام واقعة عمالية وصلت الهيئة الابتدائية في وزارة العمل التي لم تحسم قضية عملهم بإحدى الشركات التي أحتفظ باسمها، طالما القضية تراوح مكانها وقيد النظر ولم تحسم رغم مرور أكثر من عام عليها، وتفاصيلها تضييع حقوقهم العمالية بضغط من مديرهم المباشر الأجنبي الذي يمكن وضعه تحت عنوان عريض وهو: التلاعب بأنظمة البلاد.
وفي الحيثيات أن المدير الأجنبي يقسم راتب الإجازة السنوية للموظفين السعوديين على 11 شهرا ويوزعه كبدل إجازة، حيث إن الموظف عندما يخرج لقضاء إجازته في الشهر الثاني عشر لا يأخذ راتب الإجازة مما يضطره للبقاء 60 يوما (شهر الإجازة زائدا شهر العودة إلى العمل) دون أي دخل مالي، ويستغل هذا الأمر في نقطتين، أولاهما أنه يضخم الراتب أمام التأمينات الاجتماعية باعتبار أن راتب السعودي لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال محسوبة في نسبة السعودة التي يفترض أن بعطيها على 12 شهرا، فيما هو في الحقيقة يعطيها على 11 شهرا، أي أن الراتب في الأساس يقل عن ثلاثة آلاف ريال، والثانية أنه عندما يوقع عقوبة الخصم من الراتب فإنه يخصم عليه من جميع بدلات الراتب، وفي هذه الحالة فإنه يخصم من بدل الإجازة، والمفترض أن يعطى الموظف أجره كاملا عند خروجه لقضاء إجازته.
وتزداد صورة التلاعب التي يقوم بها المدير الأجنبي أسى عندما نعلم أنه يقوم بفصل وتسجيل الموظفين من وإلى الشركات التابعة إداريا فقط وليست التابعة بحسب السجلات التجارية باسم التحويل، وفي هذه الحالة فإن الموظف عندها تحسب سنوات خدمته متقطعة وليست فترة كاملة، فعندما يخدم الموظف عشر سنوات متصلة تحسب له الخدمة على آخر راتب يتقاضاه، ولكن عندما يخدم عشر سنوات منفصلة تحسب له الخدمة على نصف الراتب وليس الراتب كاملا.
وبعد تقدم أولئك الموظفين بأكثر من شكوى انتهى الأمر بتعيين مدير جديد، واصل المنهج التعسفي مع قضية أولئك الموظفين، إذ حاول تحويلهم من الشركة فرفضوا التحويل، ثم حاول توقيعهم على عقود عمل تشرع له المخالفات التي ذكرتها سابقا فرفضوا التوقيع، فدفعه ذلك إلى محاولة إجبارهم تعسفيا على توقيع العقود عن طريق إعطائهم إنذارات بالفصل جاءت صيغتها بطريقة متحايلة، حيث كتب فيها (أنه وبحسب نظام مكتب العمل في حالة رفضهم توقيع عقد العمل أعطيت لهم هذه الإنذارات) بينما قوانين مكتب العمل صريحة في هذا الأمر، حيث إن أي عقد يوقع دون رضا الطرفين يكون باطلا، فرفضوا أيضا التوقيع، وتطور الأمر مرة أخرى بالتوجه إلى مكتب العمل، فكانت النتيجة الخصم من رواتبهم بالتزوير والتلاعب في برنامج نظام بصمة الدخول والخروج، وتم سحب أجهزة الحاسب الآلي، ثم كانت القاصمة بفصلهم تعسفيا أثناء فترة إقامة الدعوى باتهامهم في أمانتهم.
ذلك موجز لتفاصيل كثيرة ومعقدة، تتعلق بحقوق وأرزاق هؤلاء الموظفين، ولأن الشركات دائما هي الطرف الأقوى في معادلة العمل إلا أن القانون والنظام أقوى منها، ولا يمكن السماح بالتلاعب بحق موظفين سعوديين بحسب مجريات تلك الواقعة، ولا يبدو أن الشركة تميل لحسم القضية بصورة نظامية بلجوئها إلى التعسف والضغط، لذلك ما من خيار أمام وزارة العمل سوى إنصاف هؤلاء الموظفين، لأن تراخيها في العبث بحقوقهم يمثل عبئا على جهود السعودة، ويزيد الحصيلة التراكمية للبطالة، لذلك ننتظر مراجعة قريبة للوزارة للقضية والتعجيل بحسمها لأن السماح للشركات بالتعاطي مع قضايا العمال والموظفين الوطنيين بهذه الطريقة يشجع غيرها على ضغط أبناء البلد لصالح الأجانب، لنصبح على قياس المثل "كأنك يا أبو زيد ما غزيت".