أستمتع هذه الأيام بقراءة أكثر من كتاب من كتب الأمثال الشعبية؛ بهدف المقارنة بين الأمثال بحسب البيئات، ثم إعداد بحث يقارنها بما ورد عند الميداني في: "مجمع الأمثال".

وفي أثناء المتعة، كان يستوقفني كل مثل، ويذهب بي في اتجاهات أخطبوطية؛ ذلك أن المثل الواحد صالح للإسقاط على حالات كثيرة، متنافرة في ظاهرها، ومتوافقة في سماتها العامة.

منذ أيام، أردد المثل الشعبي العسيري: "أبشر بولد لكنه مات"، وأراه صالحا للإطلاق على أفعال وأحداث تكاد تتكرر كلّ يوم؛ لأنه متعلق بالإحباط، وما أكثر الإحباطات والمحبطات في حياتنا!

"أبشر بولد لكنه مات"، يمكن أن يطلق على حال موظف حكومي يستحق ترقيته – نظاما - منذ 14 عاما، لكنها لم تتحقق لسبب خارج على النظام والمنطق، ومخالف لأيسر قواعد العدالة، وبرغم ذلك بقي ينتظر الترقية، وينتظر معها أن يتحرك راتبه - المجمد منذ 10 عشر سنوات – لكنه لم يتحرك ريالا واحدا إلى الأمام، بينما رواتب جيله صارت تزيد على راتبه بأكثر من نصفه.. وفجأة جاءه اتصال يخبره بأن الترقية المنتظرة آتية لا ريب، بعد 6 أشهر، أو عام، أو عامين، فقد أقرتها "لجنة الترقيات"، ولم يبق سوى توقيع ذي "المعالي".. في هذه الحال سيبدأ الموظف المحبط في استعادة 14 عاما من: الانتظار، والغبن، والإحباط، والشعور بالفشل. ومع الاستغراق في التفكير، وبعد أن ينظر في "سلم الرواتب" ألف مرة، يدرك أن ترقية تأتي بعد هذه السنوات كلها، ليست سوى جرح للجرح، وإعادة بطيئة للآلام، فلا قيمة للترقية بعد فوات العمر، وضياع المستقبل الوظيفي، وتبدد الأحلام، وجوع الصغار، وغلاء العقار، وعدم وجود بيت، وبعد أن صار سقف الطموحات قريبا من القاع.. حينها يكون من بشّره بالترقية كمن يقول: "أبشر بولد لكنه مات".

"أبشر بولد لكنه مات"، يمكن أن يطلق على حال سكان مدينة أو قرية، ينتظرون بصبر عظيم وشوقٍ أعظم إنجاز مشروعات تنموية مهمة، ثم لا يرون لها أثرا على أرض الواقع بسبب إجراءات بيروقراطية، أو مقاول مهمل، أو أولويات غير منصفة.

"أبشر بولد لكنه مات" مثل شعبي يعكس الواقع كثيرا، فهو ينطبق على المسؤول الذي لا يفتح أبوابه للمواطنين، ولا يستمع لمشكلاتهم، بل يصل الأمر إلى خدمة حكومية أقرت للتسهيل، وتعثرت في صعوبة الاشتراطات ليقتل الحلم بمحدودية المستفيدين!

كم مرة شعر أحدنا أن آخر يقول له: "أبشر بولد لكنه مات"؟

أثق أنه لا يوجد قادرٌ على إحصاء هذه المرات، وذلك يعني وجود خلل كبير.. خلل مركب، يحتاج إصلاحُه إلى سنوات تزيد على المتبقي من أعمار الأحياء.