بعيدا عن التسول التقليدي الذي ما يزال قائما حتى اليوم، ويستغل فيه المتسول صفاء أرواح المصلين الذين أنهوا للتو فريضتهم الدينية حين يباغتهم بخطبته التي يلقيها للمرة الألف، وتحمل في طياتها كل مصائب الدنيا، ما يضمن له الخروج بعد أقل من نصف ساعة "عمل" هناك بهامش ربح يومي لن يتحقق له أبدا فيما لو كان موظفا حكوميا على المرتبة الـ13!، ثم يتوارى مختفيا بسيارته الفارهة التي ركنها على بعد شارعين من هناك!

بعيدا عن ذلك النوع الصريح الواضح؛ أقول قد ألهمنا الله هنا أشكالا جديدة ونسخا متطورة، مخفية وظاهرة، من أشكال التسول المختلفة. ما رأيكم في التسول "الأدبي"؟ الطريقة سهلة ولا تحتاج إلى كثير من الفهلوة، كل ما يلزم لإتقان هذا النوع من الفن هو الكثير من المفردات والمترادفات والمتعاكسات لتشكل في المجمل قصيدة عمودية بغض النظر إن كان "كل" أو "بعض" أبياتها بحاجة إلى تدخل عاجل من قبل استشاري "عظام" نتيجة الكسور المضاعفة التي تعج بها!

الأهم هو أن تحوي القصيدة على مفردات من نوع "وأنت للكرم عنوان" أو "يا سلسل الكرم والجود" أو حتى "أنت الكرم أنت الحيا أنت الضيا" أو غيرها من العبارات التسويقية الأخرى التي تعني "أعطنا مما أعطاك الله"! وفي نهاية المشوار لا بد أن يختار لقصيدته عنوانا يلوي حتى أعناق الضباع إن كان لها "عنق"! ثم ألا يترك وسيلة إعلامية من تلفزيون أو صحيفة أو موقع تواصل اجتماعي أو مهرجان شعبي إلا ويسارع بنشر معلقته فيها حتى يعم ببلائه أرجاء وسائل الإعلام، ولا ينسى بالطبع أن ينسخ تحت القصيدة "ابنكم المخلص" ثم اسمه وصورته التي ينظر فيها لـ"لا شيء"، وكل وسائل الاتصال الممكنة به، ورقم حسابه وعنوانه البريدي!

بقي أن أشير إلى أن القصيدة الخارجة من المعمعة السابقة ستكون صالحة لكل المناسبات ولجميع الشخصيات حين يستبدل الأسماء التي "تم تحويل المبلغ" بالأسماء التي "سيتم تحويل المبلغ"!